ندوة عن كتاب القائد عبد الله أوجلان في القاهرة … ولكن الكُرد لا بواكي لهم

د. علي أبو الخير_

صدر كتاب جديد من قلب القاهرة عن القائد عبد الله أوجلان بعنوان “عبد الله أوجلان.. مسيرة نضالية تحدّت الصعاب وإبداع فكري تخطى الجدران” وهو من تأليف عدة باحثين، كان لي شرف المساهمة ببحث حول القائد المخطوف ظلماً وعدواناً.

وتم عقد ندوة حول الكتاب يوم 27 نيسان 2024، وحضرها مثقفون مصريون وعرب وأدار الندوة الصحفي الأستاذ إلهامي المليجي، وتحدث البعض منهم المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، والدكتورة فرناز عطية وغيرهما.

وفي بحثي طالبت المنظمات الإقليمية والدولية بالتدخّل للإفراج عن القائد عبد الله أوجلان، خاصةً الجامعة العربية وبالأخص منظمة التعاون الإسلامي بصفتها تدافع عن المسلمين في كل مكان، كما فعلت لمسلمي ميانمار والصين والبوسنة والهرسك، ولكنها تتغاضى عن الشعب الكردي.

ازدواجية التاريخ

الحقيقة الغائبة كما أرى وكما عبرت عنها، هي أن الكُرد لا بواكي لهم… نعم لا بواكي لهم، ونشرح كيف ولماذا، في مناهج التاريخ والدين في المدارس العربية تدرس مؤامرات الغرب الأوروبي الصهيوني الإمبريالي على الأمة العربية، كل أطفال المدارس يعرفون مؤامرات مثل “سايكس بيكو – وعد بلفور – نكبة 1948 – نكسة 1967 والمقاومة الفلسطينية ضد العدو الصهيوني”، ويخطب الشيوخ والعلماء من فوق المنابر حول العدوان الصهيوني، ويبكون شهداء فلسطين، وعندما دخل الاتحاد السوفييتي أفغانستان عام 1979 انطلق شيوخ المنابر يقولون زاعقين النداء المشهور (واأفغانستاه) وقال شيخ مشهور نحن مع أمريكا أهل الكتاب ضد السوفييت الكفار”..

كل هذا معلوم، ورسّخ مظلومية الشعب الفلسطيني، عند الأطفال والكبار، النساء والرجال، وهو أمر محمود على كل حال، فالشعب الفلسطيني مظلوم يدافع عن أرضه وعرضه، وتلتف حوله الشعوب العربية.

ولكن في الحالة الكردية لا يعلم أحد من الشعوب العربية عن الكرد شيئاً، خلاصة ما يقوله الشيوخ إن صلاح الدين الكردي انتصر على الصليبيين، وهذا كل شيء، وكأن صلاح الدين وحده هو الشعب الكردي، مع احترامنا الكامل له.

لا يعرف أحد من العرب عن معاهدتي سيفر ولوزان ضد الشعب الكردي، أو محو جمهورية مهاباد من الوجود، لا عن تقطيع الشعب الكردي وتوزيعه على الدول المختلفة، ولا عن حالات الاضطهاد والقتل والتشريد والتطهير العرقي.

عندما قتل صدام حسين مائتي ألف خلال أيام قلائل من الكُرد في حملتي الأنفال وحلبجة، لم يُدين أحداً من قادة العرب ما فعله صدام، بل البعض حاول تبرير قتله للشعب الكردي، صحيح مثلاً إن بعض الصحف أدانت العمليات الظالمة، ولكن على المستوى الرسمي ظل صدام يمارس عدوانه، تماماً مثلما يقوم القادة الأتراك بالقتل المنهجي ضد الكرد منذ كمال أتاتورك وصولاً لـ أردوغان، وأيضاً لم تحدث أي إدانة، في ظل صمت مريب من منظمة التعاون الإسلامي، بل حضر رؤساء الدول التي تقتل الكرد مؤتمرات المنظمة دون رادع من خجل.. وهو الأمر الذي قلنا عنه (ولكن الكرد لا بواكي لهم)، وليس معناه ضعف الشعب الكردي، ولكن إظهار مدى مظلومية الشعب الثائر..

فإذا كان لنا أن نُحصي الشعوب التي تقع تحت ظلم كبير الآن، في القرن الحادي والعشرين، فإننا لا نستطيع تجاوز الشعب الكردي الذي يعاني بشدة من الاضطهاد والملاحقة والقتل والتدمير في مختلف الأراضي الكردية، وإذا كان لنا أن ندّعي الوقوف مع حقوق الإنسان، ومع العدل وحقوق الشعوب في الحرية والاستقلال؛ فإنه لا مفر أمامنا إلا أن نقف مع الشعب الكردي. ومن أراد أن يكون مُنصفاً لنفسه فعليه أن يكون منصفاً لغيره، وما يرتضيه لنفسه عليه أن يرضاه للآخرين، وإلا فإنه يقع في الانفصام والازدواجية وفقدان المعيار الأخلاقي.

الشعب الكردي مظلوم بشدة، وأغلب إجراءات الظلم ضده تأتي من الذين يجب أن يتحمّلوا واجب الإحسان إليه وهم العرب والأتراك والإيرانيون… الكرد يتعرضون للمهانة والقتل وتدمير القرى والحيلولة دونهم والاستقلال السياسي منذ زمن بعيد.

واليوم نطالب من القاهرة أن يتحرر القائد عبد الله أوجلان ويخرج من غيبوبة السجن ليقود شعوب المنطقة نحو طريق الأمة الديمقراطية، وهي الرؤية الجديدة المتفائلة نحو إخماد التوترات والحروب في فلسطين وفي كردستان وفي كل مكان من الشعوب العربية والإسلامية في المنطقة التي سماها الاستعمار منطقة الشرق الأوسط…

ولكن لا يأس مع الأمل والضوء نراه في آخر النفق.. وما يضيع حق وراءه مطالب مثل الشعب الكردي.