عذراً وحوش البر… عذراً

عزيز الأكراد –

كثيراً ما نردّد نحن بني البشر… دون تدقيق الكلمات التالية فنقول: شهوة حيوانيّة، غريزة حيوانيّة، طبع حيوانيّ…إلخ، نقول هذا، عندما نسمع أو نشاهد تصرُّفاً غير إنسانيّ من البعض على سبيل الاستنكار والتعبير عن الرفض والتشبيه بطبائع الوحوش والحيوانات، ومن خلال متابعتي للأفلام المحببة إلى قلبي (أفلام الحيوانات البريَّة) لاحظتُ أنَّ ما نقولهُ عن هذه الحيوانات يتنافى مع واقعها كليّاً!، فالأسُود سباعُ البريّة وكلّ الحيوانات المُفترسة، بمجردِ أن تصطادَ فريسةً تسدُّ بها جوعها تتوقف عن مُطاردة القطيع، وبعدها إما أن تخلد للنومِ أو تذهبُ للهو واللعبِ.
حتى القطيعُ الضحيّة نفسُهُ بعد عملية الاصطيادِ وشبعِ الأسود يمرُّ من فوقها، ويسرح ويمرح بجوارها دونَ أيّ خوفٍ أو وجلٍ، ومما لاحظته أنَّ أفراد المجموعة من ذات القطيع، مهما حصل بينها من شجارٍ قلّما يصلُ الأمر بينها إلى حدَّ القتل، أما إناثُ المجموعة وصغارها، فلا يتعرَّضُ لها أحدٌ.
حتى عمليَّة الضراب… لا تتمُّ بدافعٍ غريزيّ جنسيّ بحت، بل تتمُّ عند ارتفاع الشبق في الأنثى نتيجة نُزول البيضة الى الرحم فتتمُ العمليَّة، بقصدِ التكاثُر والمُحافظة على النوع فقط، فأين هي الشهوة الحيوانيّة في الموضوع إن كانت الطبيعة الفيزيولوجيّة لهذه الحيوانات هي المحرّك وفي أوقات محدودة؟ وأين مكمن تُهمتنا للحيوانات (المسكينة) بالشهوانيّة؟!، ثم أوليس الإنسان هو (الوحشيّ) منذ أن ارتكب جريمة القتل الأولى ضد أخيه الإنسان من خلال قتل قابيل لهابيل؟!
أوليس من ذلك التاريخ والإنسان يُطوّر آلة القتلِ ضدّ أخيهِ الإنسان؟! فبدأً بالأسلحة الحجريَّة، ثم الحديديَّة فالميكانيكيَّة فالأوتوماتيكيَّة الى أن وصل للنوويَّة والهيدروجينيَّة وسواها كثير.
أوليست كلُّ هذهِ الأسلحة ورحلةَ التطوير التي مرّت بها هي من صنعِ الإنسان لقتل أخيه الإنسان؟! ثم ما هي نسبةُ الموت بالأمراض والأوبئة، وجميع حالات الوفيات الطبيعيّة، مقارنةً بقتلى الحروب في عصرنا الحديث؟!، كم عدد قتلى الشعوب المستهدفة من قبل الشوفيّنيين بقصد الصهر والإبادة؟ وكم عدد قتلى الحروب المُعلنة من الأنظمة الديكتاتوريَّة ضد الشعوب التي تطالب بالحريّة والانعتاق؟ ثم ما هو نصيبُ الأطفالِ والنساء من ذلك؟ ثم نأتي ونعيب على الوحوش، ونتهمها بالوحشيّة؟
أوليس الإنسانُ هو الذي تسبّب بانقراض مجموعات من الحيوانات والنباتات؟! بل مجموعات من البشر، ثم نأتي ونعيب على الوحوش…أه لو تتكلم الوحوش أه!
في إحدى الفعاليات، ألقيتُ كلمة افتتحتها بقولي: «شبعت وحوش البر وحيتان البحر من لحوم البشر»، «ولكن الوحوش البشريَّة، لم تشبع بعد». فصفَّق الشهيدُ الراحل عمر علوش بحرارة مبدياً إعجابهُ بهذه الجملة، وكلما التقيتهُ يُذكِّرني بها، ويقولُ لا زالت تلك الكلمات ترنُّ في أُذني، وكأنّهُ قد أُلقي في روعه أنَّ تلكَ الوُحوش ستغتالهُ يوماً ما.
أقولُ أنَّ الوحشَ الذي اغتال عمر علوش هو وحشٌ بشريٌّ بامتياز، وذلك إمّا أن يكونَ القاتلُ يعرفهُ عن قربٍ، وعرفَ إنسانيّتهُ ونبلهُ وحبَّهُ للخير، وبهذا يكونُ قاتلاً للإنسانيَّة، المُتمثلة بشخصهَ، وإما أن يكون لا يعرف عن شخص الرجل شيئاً، والأمر لا يختلف هنا عندما يصبح الإنسان قاتلاً من لا يعرفه، لعل القتل يصبح على سبيل المهنة. كأنّ يكون دافعُ القتلِ الحُصولُ على المال، وهذا ما لا تفعلهُ الوُحوش البريَّة، فعلى كلّ إنسانٍ يُعرف معنى الإنسانيَّة، أن يَستنكر القتل بأيّ دافعٍ كان، فالقاتلُ، قاتلٌ، مهما كان السبب.
فرجُل الأمنِ الذي يقتلُ المُتظاهرينَ بقصدِ الدفاع عن النظام أو بحجة قمع التظاهر هو قاتلٌ، وكذا الأمر المُتظاهرِ يقتلُ رجلَ الأمنِ، والذي يقتلُ أختهُ بدافع (الدفاع عن الشرف) قاتل، وقاتلُ عمر علوش قاتل، وقاتلُ حمزةَ الخطيب قاتل، وقاتل الدكتور البوطي قاتل… إلخ.
وعلى كلّ إنسانٍ ونؤكّد على كلمة (إنسان)، أن يستنكرَ ذلك، وإلا لا يحقُّ لنا أن نَعيبَ على الحيواناتِ والوحوش، بل من حقّ الحيوانات حينها أن تَعيبَ علينا سُلوكنا هذا، وتقولَ: شهوةٌ إنسانيّة وطبعٌ إنسانيّ.
وبالنيابة عن كلِّ إنسانٍ يحملُ معنى الإنسانيَّة ويؤمن بها أقول: عذراً وحوشَ البرِّ عُذراً.