الانتخابات التركيّة المحليّة…تحوّل جذري وانحسار لأردوغان والحزب الحاكم

رفيق إبراهيم_

 مرة ومنذ تسلّمه السلطة قبل 22 عاماً أقرَّ رئيس دولة الاحتلال التركي أردوغان، بخسارته في الانتخابات المحلية، لصالح المعارضة، تلك الانتخابات التي أُجريت يوم 31 آذار الماضي، والتي أسفرت عن فوز المعارضة بنسبة (37.7%)، وحقق من خلالها حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، نتائج جيدة حيث فاز بمعظم الولايات الكردية، وكانت الطامة الكبرى بفوز المعارضة بجميع البلديات الكبرى كإسطنبول وأنقرة، وأزمير، وأضنة) ولأول مرة تفوز في رها.

القضية الكرديّة بيضة القبان

 الشارع التركي اليوم يطرح عدة تساؤلات، عن نتائج الانتخابات، وعن الأسباب التي أدت في العموم لخسارة أردوغان وحزبه، وأيضاً عن مستقبل الحزب الحاكم الذي يحكم تركيا منذ 22 عاماً؟

تركيا وعلى عكس معظم البلدان الآسيوية تهتم بنتيجة الانتخابات المحلية، لأنها مؤشر على الخريطة الحزبية بتركيا، ورؤساء البلديات في تركيا لهم صلاحيات واسعة، تعزز من مكانتهم كشريك في حكم البلاد، ومن الأسباب الأساسية لخسارة أردوغان والحزب الحاكم، تراجع الاقتصاد التركي لمستويات غير مسبوقة، حيث بلغت نسبة التضخم 67 %، وفقدت العملة التركية (الليرة) أكثر من نصف قيمتها، مما أدى لزيادة أسعار جميع المواد والسلع، وتراجعت القدرة الشرائية للمواطن التركي، فضلاً عن تدخلات أردوغان في السياسات الاقتصادية في البلاد.

ولعل من أهم القضايا التي أدت لخسارة أردوغان وتحالفه، في الانتخابات التي جرت في نهاية آذار الماضي، هي القضية الكردية التي بقيت من دون حل حتى الآن، لأن القضية الكردية وبقائها من دون حلول ومواجهتها بالحديد والنار، يزيد الأوضاع الصعبة أصلاً في تركيا تعقيداً، والكرد في تركيا يتجاوز عددهم 35 مليون، وإن شاء الأتراك أم أبو فهي الشغل الشاغل للمشهد السياسي التركي.

وأردوغان وتحالفه تعاملوا مع الكرد وقضيتهم العادلة بكل صفاقة، حيث تعاملوا مع الكرد وكأنهم مواطنون من الدرجة العاشرة، واتخذوا بحقهم حملات كثيرة من أجل إبادتهم، وتم وصفهم بالإرهاب، ولا زال الكثير من الناشطين والسياسيين الكرد معتقلين في السجون التركية، بتهم ملفقة لا أساس لها من الصحة، في حين استغلت المعارضة المتمثلة بحزب الشعب الجمهوري، هذه الأوضاع واستفادت من الأصوات الكردية، عندما أعلنوا بأنهم لن يغلقوا أبواب الحوار مع الكرد، ما أدى لجذب أصوات الكرد في البلديات الكبيرة كإسطنبول، ما ساهم في خسارة أردوغان وتحالفه الحاكم.

أردوغان الهزيمة نقطة التراجع

والقضية الأخرى الهامة، قضية اللاجئين السوريين حيث بلغ عددهم وحسب آخر الإحصائيات لأكثر من ثلاثة ملايين، وفي كل مرة كان أردوغان يستخدمهم في الاستحقاقات الانتخابية، ولكن هذه المرة استفادت المعارضة من مسألة اللاجئين السوريين، حيث وعدت في حال فوزها بترحيل السوريين، وعدم منحهم إقامات جديدة، وتقول المعارضة إن هناك خطر من بقاء السوريين ما قد يُحدِث تغيير ديمغرافي في تركيا.

وهناك أيضاً قضايا تتعلق بالوضع الاقتصادي المتردي، وهبوط سعر صرف الليرة التركية لمستويات قياسية غير مسبوقة، والسياسات الفاشلة الذي تعامل بها أردوغان، مع قضايا المنطقة، وبخاصةٍ تدخّله في شؤون دول الجوار كسوريا والعراق، وبخاصةٍ أنه يحتل العديد من المدن في سوريا، ولأسباب غير مُقنعة للداخل التركي وأيضاً على مستوى الخارج، ها هو اليوم يحصد نتيجة تلك السياسيات العدائية والفاشلة للتعامل مع الداخل والخارج.

الانتخابات المحلية وما حصدت من نتائج غير متوقعة، تُمثّل الهزيمة الأولى لأردوغان وحزب الحركة القومية الفاشية، وهي خسارة مُدويّة بكل المقاييس، وهو بنفسه اعترف بالخسارة، وهذه الهزيمة ستفتح الطريق أمام فوز المعارضة بالانتخابات الرئاسية المُقبلة، لتُشكِل خط التراجع بالنسبة لحزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، والانتخابات الرئاسية التركية القادمة ستُغيّر الكثير من الوقائع على الأرض، وهذا التراجع الكبير يعزو للسياسات التي يتبعها أردوغان، ويستمر بالخوض فيها.

الكُرد نجحو وفازوا مرتين

 والكُرد نجحوا في هذه الانتخابات مرتين، وهذا يُحسب لهم، في المرة الأولى، دعموا المعارضة في المدن الكبرى وأصواتهم كانت بيضة القبان فيها، وفي المرة الثانية، حافظوا على فوزهم بمعظم البلديات في المناطق الكردية، ما يؤكد أن الشعب الكردي عرف من أين تؤكل الكتف، وأكدوا بأن المناطق الكردية لا صوت يعلو فيها سوى صوتهم، وبخاصةٍ في آمد ووان وماردين.

وستكون لنتائج هذه الانتخابات تداعيات بكل تأكيد، وعلى رأسها شعور حزب العدالة والتنمية بمرارة الخسارة، حيث قد يكون هناك إعادة هيكلة للحزب، ومحاسبة المسؤولين فيها، حيث تم الطلب من قادة الحزب بتقديم تقارير كاملة عن سبب خسارتهم الانتخابات المحلية، وقد يؤدي ذلك لإقالات لمسؤولين كبار في الحزب، وبخاصةٍ أن حزب الرفاه من جديد قد يستفيد من ذلك لضم هؤلاء لصفوفهم.

القضية الكردية وكما أسلفنا من أهم القضايا التي يجب حلها في تركيا، وهي تتصاعد بشكلٍ ملحوظ، وما رأيناه عند صدور نتائج بلدية “وان” ذات الغالبية الكردية، حيث تم رفض قرار عدم تسليم البلدية للفائز عن حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، عبدالله زيدان، وشاهدنا الاحتجاجات الكبيرة فيها، مما أدى لاندلاع اشتباكات في البلدية وامتدّت لولايات جنوب وجنوب شرقي البلاد منها (أضنة، باطمان، سيرت، شرناخ، بتليس) حتى عادت المياه لمجاريها، وتم تسليم البلدية للكرد، وهذا دليل على أن الكرد سيكون لهم دوراً كبيراً في السياسات القادمة لتركيا.

الانتخابات القادمة نقطة تحوّل

وفي الختام يمكننا القول: “الانتخابات البلدية في تركيا، يمكن للمعارضة الاعتماد عليها للسعي لتحشيد الشارع التركي، ومنذ الآن للتحضير للانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، إذا ما أرادوا قلب الطاولة على حزب العدالة والتنمية وتحالفه مع حزب الحركة القومية الفاشية، وعليهم أن يدركوا بأن التعامل مع الانتخابات البرلمانية والرئاسية يختلف عن التعاطي مع الانتخابات البلدية، وبخاصةٍ أن الشعب التركي يتخوّف من الآتي الغير معروف بالنسبة له، ويريد التعامل مع الموجود على الرغم من الكثير من مساوئه، وهذه نقطة قد تُحسب لصالح الحزب الحاكم.

لذا من واجب المعارضة التركية والكردية، رسم خريطة المستقبل بِحرفيّة وعدم الوقوع في نفس الخطأ الذي أدى لخسارتهم الانتخابات البرلمانية والرئاسية الماضية، والعمل من أجل تدارك الأخطاء وإقناع الشارع التركي بأن حزب العدالة والتنمية لم يعد بإمكانه قيادة تركيا إلى بر الأمان الذي يحلم به المواطن التركي، وأن سياساته الخاطئة قد تودي بتركيا إلى الهاوية، لأن إصرارها في الاستمرار بالتعامل مع الداخل التركي وأيضاً مع المحيط والخارج، من دون تغيير النمطية التي تتعامل بها، مع القضايا العالقة داخلياً وخارجياً، سيُحدِث شرخاً كبيراً بين المجتمع التركي، ومن واجب المعارضة أن تتعامل مع الأمور بكل عقلنة بما لا يدع المجال أمام أردوغان وحزبه للعودة لقيادة المرحلة القادمة من مستقبل تركيا.