تعيش مناطق شمال وشرق سوريا مرحلة مواجهة جديدة، بل هي الأخطر من نوعها؛ بسبب محاولات الدولة التركية المحتلة المتواجدة عسكرياً و”احتلاليا” على الأرض السورية، التغلغل في عمق الأراضي السورية، وقضم المزيد من الأراضي، إلا أن تواجد الإدارة الذاتية كهيكلة إدارية مدنية وخدمية، والقوات العسكرية المتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية تُشكل عقبة أمام مخططاتها الخبيثة، لاحتلال المزيد من الأراضي السورية، وممارسة أبشع أنواع الحرب، بهدف النيل من هذه التجربة الديمقراطية، التي استطاعت بوقت قصير نسبياً، وبدعم شعبي تحقيق إنجازات ما كانت لتتحقق لعقود عدة، إذا ما رُوعيت الظروف الجيوسياسية، والعسكرية، وتربص القوى المعادية لشعوب المنطقة، بهذه التجربة، بغية القضاء عليها نهائياً.
فعلياً الإدارة الذاتية استطاعت الصمود، لعوامل عدة أبرزها العمق الشعبي الداعم لها، وبمشاركة شرائح الشعوب السورية كافة، وعلى رأسها المرأة، ضمن هذه الهيكلة الفريدة، والمتنوعة، والفسيفسائية.
لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار العدو الأول المتمثل بـ (النظام التركي الحاكم) الذي يقود الدولة التركية، ويقض مضجعه صمود هذه الإدارة، في هذه الفترة بالرغم من المحاولات المستميتة، والرهان الحتمي بالنسبة لها في القضاء عليها بفترة زمنية قياسية، وتعويل هذا النظام المستبد على التوازنات الدولية، والاستفادة من الحرب المندلعة حديثاً بين (روسيا ـ أوكرانيا)، والعمل على اتباع سياسة (مسك العصا من المنتصف)، بالرغم من حساسية هذه الحرب، المراد منها قلب التوازنات الدولية رأساً على عقب… لذلك اصطفاف النظام التركي بشكل واضح، مع أحد الأطراف الدولية المتنازعة على الساحة الأوكرانية، سيكون ذا عواقب وخيمة، وسيعيد التاريخ نفسه، ليعود الاسم الذي أطلقه قيصر روسيا نيكولاي الأول على الدولة العثمانية (الرجل المريض) عندما بدأت بالضعف، وعمدت روسيا وإنكلترا على اقتسام مستعمراتها؛ لتصبح مجدداً كرجلٍ ميتٍ بدل “مريض” تتقاسم مستعمراتها، ودولتها المنهكة، الدول المنتصرة في الحرب.
إذا ما قرأنا في هذه الفترة الممارسات العدوانية، التي تدأب عليها الدولة التركية بشكل يومي في مناطق شمال وشرق سوريا، من خلال القصف المدفعي والصاروخي، واستخدام الطائرات المسيرة في مناطق مقاطعة كري سبي/ تل أبيض، وفي منطقة تل تمر، نجد أنها تريد من ذلك القول: “إن نهجها العدواني والاحتلالي على الأرض السورية مستمر”، ولن تجنح الى السلم مطلقاً، ولن تدع الشعوب السورية تنعم بالأمان والاستقرار.
وآخر هذه الممارسات التصاعد الملحوظ في عدد العمليات العدوانية، التي تنفذها المسيرات التركية، كما سبق وذكرنا حيث استهدفت شخصيات قيادية وطنية، ومواطنين، وخلال الأسبوعين الماضيين زادت هذه الهجمات الاحتلالية العدوانية للطائرات المسيرة الى خمس، كان آخرها استهداف الشخصية الوطنية، والشاعر الكردي فرهاد مردي، وإصابة عضو القيادة العامة للمجلس العسكري السرياني، أروم ماروكي في بلدة تل تمر…. واللافت الى أن تصريحات المسؤولين الأتراك تعود وتتجدد بربط هذه الهجمات العدوانية، وغير القانونية على الأرض السورية بتهمة “الإرهاب”، في حين أن المجتمع الدولي، والقوى الدولية يغضان الطرف عن هذه الهجمات، ولا ينبسان ببنت شفة، بالرغم من ثبوت ارتباط الأحداث والمخططات الإرهابية كافة، لإعادة بعث المرتزقة من جديد ” بنظام العدالة والتنمية ” الذي يحكم الدولة التركية، وهذا ما ثبت في أحداث سجن غويران، وفرار العشرات من المرتزقة صوب الأراضي، التي تحتلها الدولة التركية، وانضمامها فيما بعد الى فصائل المرتزقة المدعومين من قبلها.
هذه الممارسات العدوانية كلها للدولة التركية في سوريا، يمكن إجمالها، بأنها حرب جديدة بأسلوب جديد، بعد أن ثبت لها صعوبة الاحتلال العسكري المباشر، وخشية من المقاومة الشعبية؛ لذلك تحاول الاستفادة من الحرب الأوكرانية ـ الروسية بالرغم من الهوة الكبيرة بين الجيشين الروسي والأوكراني، في حين أن تركيا تستفيد من المقاومة الشعبية لأوكرانيا، التي تتلقى الدعم الكبير من أغلب دول العالم، الى جانب الدعم الإعلامي الكبير لأوكرانيا ضد الطرف الآخر المهاجم (روسيا)، وخيارات دعم أي مقاومة شعبية للشعوب السورية، بمواجهة المحتل التركي.
كما أن الدولة التركية المحتلة تعي تماماً المغامرة “غير محسوبة العواقب” إذا ما أقدمت على شن هجمة احتلالية برية، وفي كل مرة تُقدم في مثل هذا الهجوم، تُرسل عناصر مرتزقتها الى محاور القتال، والتضحية بهم بعد دفعهم للتسلل من خلال هجماتهم الفاشلة، وخاصة جبهتا تل تمر، وعين عيسى، حيث لاقى العشرات منهم حتفه، بسبب المقاومة الباسلة لقوات سوريا الديمقراطية.
يرى محللون بأن الدولة التركية المحتلة، لم تتخلَ عن النهج العدواني تجاه الأراضي السورية، والعمل على إزاحة العقبة الوحيدة، التي تقف بوجهها وهي الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والعمل على تأجيج الأزمة السورية، وإطالة أمدها الى أبعد مدة معينة؛ ليتسنى لها الاصطياد في المياه العكرة، والحصول على مكاسب سياسية وعسكرية، واحتلال المزيد من الأراضي السورية، التي طالما وقفت قوات سوريا الديمقراطية حصناً منيعاً بوجه هذه المحاولات.
ومن جهة أخرى الدور الروسي على الأرض السورية، اقتضى أن يصبح دولة (ضامنة) أي خفض التصعيد، ووقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة، حتى الوصول الى حل ينهي الأزمة السورية، هذا الأمر يُروج له من قبل الجانب الروسي حتى من قبل المؤسسات الإعلامية التابعة لحكومة دمشق، ولكن لا أحد يستطيع إنكار أن الدور الروسي في سوريا هو خدمة لمصالحها!، وبالتالي دورها منطقياً يقتضي، بأن تكون طرفاً حيادياً في حين، أنها تلعب دور المنحاز لصالح حكومة دمشق التي تُلبسها لباس “الشرعية”، وتنعتها بـ “الدولة الصديقة”.
وما يدل على ذلك هو استمرار الصمت الروسي حيال الهجمات التصعيدية العدوانية، التي يقوم بها الجيش التركي المحتل ومرتزقته في مناطق عين عيسى وتل تمر، وغيرها من المناطق الأخرى، التي تشهد تواجدًا عسكرياً للدولة الروسية، وبالرغم من المناشدات المتكررة للمجتمع الدولي لإيقافها، والتي تبادر بها شعوب المنطقة بشكل مباشر، أو عن طريق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إلا انها لم تجدِ نفعاً، وبقيت تلك الهجمات مستمرة، وبوتيرة تصعيدية أعمق.
من الواضح، بأن روسيا تستفيد من هذه الهجمات للضغط على الإدارة الذاتية والشعوب السورية، بهدف ترهيبها بالقوة العسكرية، وإبراز الدور التركي في المنطقة كالبعبع أو كالمطرقة المرفوعة فوق رؤوس شعوبها؛ لكسر مقاومتهم وصمودهم، وتقديم التنازلات لصالح تلك الدول المعادية، لآمال وتطلعات شعوبها.