ضفاف المعرفة… وطن الشمس

عبدالباري أحمه –

المؤلف: عبدالله قرمان.
في تسلسلٍ زمنيّ دقيق، وترتيب للأحداث وموضوعيّة لافتة، يقدّم الكاتب «عبدالله قرمان» كتابه وطن الشمس وبجزأيه الأول والثاني للقارئ في 850 صفحة من القطع المتوسط للجزأين، وينتظر الجزء الثالث فرصته للطباعة والنشر.
عبدالله قرمان كاتبٌ وباحثٌ في التاريخ والأدب الكرديّ من مقاطعة عفرين، وله العديد من المؤلفات المخطوطة، والعديد من المحاضرات والمقالات في مؤسسات ووسائل إعلاميّة متعددة.
يبحث كتاب «وطن الشمس» في تاريخ كردستان من البدايات الموغلة في التاريخ حتى القرن العاشر الميلاديّ، ويضمّ الكتاب كماً من المعلومات الدقيقة، بكلِّ ما احتواه من أرقام وأسماء وأماكن وشخصيّات وصور ومخططات وخرائط، بعيداً عن لغة التعصّب والتطرف، أو الإلغاء والإقصاء كما فعلها غيره من المؤرخين، وقد اتّبع فهرساً دقيقاً في تسلسل وترتيب العصور، وبكل موضوعيّة تناول تاريخ الكرد من أقدم العصور حتى الآن، قراءة هذا الكتاب رحلة ممتعة في التاريخ نتعرف من خلالها على الأرض واللغة والديانة والثقافة وكل العلوم الإنسانيّة.
يتضمن المجلد الأول سرداً جميلاً للكرد مع التاريخ، ويرسم لنا ملامح الخلق الأولى ونشأتها، ومراحل الخطوة الأولى للإنسان فوق هذا الكوكب، والبدايات الأولى له في شمالي ميزوبوتاميا، وكيف خرج الكرد من العصر النيوليتي بثقافة كونيّة ملأت كل جوانب المعمورة بأخلاق تلك الثقافة.
ومن الحقائق التي تناولها الكاتب اضطرار المؤرخين بتسمية أحد العصور بالعصر(الكوتي) أي عصر بناء الكرد لمعالم مدنٍ حضاريّة بثقافة إنسانيّة، ولا ينسى الباحث أن يتحدث لنا وبعشق المتابع لتصوّراته وتأملاته لكلّ المعتقدات الدينيّة التي آمن بها الكرد منذ تواجدهم في أعالي ميزوبوتاميا وحتى الآن، ويذكّرنا بالآلهة التي قدّموا لها القرابين والصلوات عبر كلّ مراحل تاريخهم، ما يميز الكاتب نفَسَه العميق والطويل في الكتابة، فحين يتحدث عن جغرافيا كردستان بموقعها ومراحل تطورها ما قبل العصور كأنه عاصر تلك الأحداث، ويؤكّد على الثقافة النيوليتيّة بكلِّ جماليتها.
رويداً رويداً يقترب من عصر الحضارات (عصر أوروك) وينقل لنا من حضارات الكرد ابتداءً من الألف الثالث قبل الميلاد من السوربارتو واللولوبين إلى الهوريين والكوتيين والكاشيين والميتانيين، فيتحدث عن تاريخ وتطور هذه الأقوام الكرديّة، الذين أكّدوا على عمق لغتهم وثقافتهم، وفي المرحلة الثانية ينقل لنا لوحات جميلة عن شعوب ميديا، وثوراتهم، وينتهي الكاتب من رحلته الأولى بدخول الكرد العصر الميلاديّ الجديد من خلال المرحلة الفارسيّة والرومانيّة، وما طرأ على ثقافة الكرد وما تجدد فيها من معتقدات وطقوس وشرائع وأخلاق، بعد أن كثرت في مدن الكرد العشرات من الأديان والمذاهب والطوائف.
الرحلة الثانية من «وطن الشمس» بدأها مع بداية وصول الإسلام إلى كردستان، حين يستعرض لنا الواقع السياسيّ للعباسيّين وتوزّع الممالك الكثيرة في عهد الخليفة، وهذه الممالك هي للفرس والترك، وينقل لنا بكلّ دقة وضع الكرد السياسيّ، ويتحدث عن الإمارات الكرديّة ( الرواديّة والشداديّة والدوستكيّة والأيوبيّة ولورستان والأردلانيّة وغيرها) بذات السياق يتحدث عن الصراع التركيّ الإيرانيّ بامتلاك المنطقة، فكانت جالديران 1514م ميلادي الشعرة التي قصمت ظهر الكرد؟ بعد أن تنبّه الطرفان إلى خطورة الحروب بينهما فأعلنوا عن تقسيم كردستان في قصر شيرين 1639م ميلادي ومدى تأثير هذه الاتفاقية على وضع الكرد، وخروجهم من دائرة السيطرة وتعايشهم وفق اجندات محددة.
في الجزئية الأخيرة من رحلته يعرّفنا على بعض العادات والتقاليد مثل الرقص الشعبيّ والموسيقا والأدب والفنون، بعد أن يذكر بمن ساهم بإغناء المكتبة الكرديّة.
وخير ما ينهي به كتابه القيم مقولة تختزل كلّ المراحل: (إنّ المجتمعات التي لا تقوم بواجب الدفاع عن نفسها لا يمكن أن تعيش، وبالتالي ليست جديرة بالحياة)