فيروشاه احمد –
الكاتب: صلاح الدين مسلم –
صلاح الدين مسلم عاشق الكلمة يبوح عن معشوقته بمجموعة شعرية وبعناوين ليلكية، في مجموعته الشعرية «كوباني رحلة البياض والسواد» قصائد تغازل الروح قبل الجسد، قصائد تعانق الأرض قبل الإنسان، تسترسل مع بندقية آرين ميركان مواويل ليلة أشرقت الشمس على «مشته نور» قبل كل الأرض.
كيف لا تستقر الشمس فوق كوباني وقد أصبحت(قصيدةً للحب والنار) لأنها (هي السماء النور) حتى الكواكب سئمت وملت الدوران حول ذاتها، تبحث عن مدارات كوباني، لعلها ترسم بذاتها أملاً، كي تسرق نظرة إلى (لهفة الأمل المدجج بالأمل، فلا أمل لنا سوى الأمل) وقد جسَّد صلاح الدين هذا الأمل بأن (أوطد حرية كوخي بين حاراتك الحرة) حينها يبدأ المطر بالتهاطل، ويجد نفسه يهطل على كوباني (إن شئت أمطريني عليك) وما المطر إلا عتق من العبودية (استفق أيها الأبله لا تنتظر ذبولك، إن المطر آتٍ، إن الانعتاق آت)
حتى المجازر بلغة صلاح الدين تفاؤل ودروب نحو الحرية، رغم غدر الرصاصة إلا أنهم سوف يسقطون (لن تفلحوا أيها السفلة القوادون، وستسقطون كثيراً هذه المرة) لأن الحب في كوباني له لونٌ واحد، (طفل يحمل أغنية وامرأة تعانقها السماء) لأن كوباني جعل من أهلها(يمتطون السماء)، ولم يدرِ صلاح الدين أنَّه لم يدرك هذا الانتماء (لم أعِ يا مدينتي حُبك) ثم وكمن يدرك الحب فيها مجدداً فيرتمي بحضنها ويعتذر منها (أنتِ في حشايا القلب) ويعترف ملء قلبه بأن لا مكان غيرها يتملكه، الحب والدفء، ولا بمقدوره التنفس إلا من رئتيها.
لم ترتقي كوباني للسماء إلا لأنها (مقاتلة) من الطراز المعتق تقف (على باب المدينة) ترسم بحبات المطر أحلام الطفولة وتبني أسوار للمدارس، ويعيش الشاعر (نزق الليل)حين يفقد السكون كلَّ معانيه، يعاتب ورود حمراء لِمَ فقدت لونها؟(عذراً هل أنت حمراء) وكأنه يشك في وجوده وجوهره ويطلب منها أن تعود لحقيقتها (إذا كنت حقيقياً فاظهر كما تحب أن تظهر الشموس من عنق الحقيقة) لأنَّ الحقيقة هي عينا كوباني العاشقتان، ولم يتوانَ أن يبجلها شاعرنا بأنها سيدته لأنها (تتوضأ بدمه) وكلاهما يموتان موتته واحدة.
كوباني ليست كغيرها من مدن الأرض، فلا عشقها ولا مطرها كعشق ومطر هذه المدن لأنها تعيش المطر قبل نزوله (ما زالت تعيش انتعاش المطر قبل أن يصل) ولا يحلو للشاعر إلا أن يعشق فيان حين يخاطبها (فيان ملكة القلم والبندقية) وفي وداعها صوب الشمس قال (فيان حلم الحياة بالحياة) ولم يهدأ له بال حتى وقف بمشتى النور يسمع آرين كيف تتحدى الظلام (سطرت الخلود ملحمة تتناقلها الأجيال) وكم بددَت خرافات في عقل الشاعر حين احتفظ في رأسه (لم يكن للمرأة وجود في قواميس كوباني)
في كوباني أساطير بلون العشق تنير ليلها المظلم، (لا تقل لي: إن سبارتاكوس قد مات) فلا المشيعون ينسون الشهيد ولا الشهيد ينتهي، ففي الثورة لا مكان ولا زمان للترهات، بل يبدأ المسير نحو الشمس (من كوباني بدأت رحلة ركوب البحر للنفي الاختياري) هذه الرحلة ضد الموت بلغة الروح والجسد (أنتِ كل أطوار حياتي فدعيني أكن طوراً من أطوارك) لأن للماء لون المقاومة في أماكن أخرى (المقاومة في باكور) كي يخرج من الصخور(الحب وشقائق النعمان) يضيء دروب الوطن والحياة بكل ألوان الطيف لـ(طفل محروم) الحقيقة الكامنة خلف أسوارك.
لا يحلو لشاعرنا إلا أن يعشق (أرضنا السمراء) لأنه يبدأ منها وإليها ينتهي، ومن سواعد الرجال السمر ينحت حروفه، ومن بيادرهم تخرج كل المعاني من (حداتو) و(شيخ سروجي) تتهاوى قلاع الطغاة ويبقى (على المدى شعبك) ويمر على (شيران) يدغدغ ذاكرتها ويجدد الأحلام حين يقول لها (خارج أسطورة الحب كوباني) وتخط كوباني لكل أطفالها أسفار العشق المؤبد.
الشاعر والإعلامي صلاح الدين مسلم من مواليد كوباني1974م.، حائز على إجازة في الأدب العربي، يكتب الشعر والمقالة ومدير التحرير لمجلة الشرق الأوسط ومنتدى الفرات للدراسات والأبحاث، وله مجموعتان شعريتان بالعربية ومجموعة قصص بالكردية، وينشر في الصحافة المحلية، والمجموعة جاءت في 190 صفحة من القطع الكبير، وصدرت عن دار شلير بقامشلو عام 2017م.
