سوق الفطور… أسلوب من البساطة والعراقة

قامشلو/ دعاء يوسف –

في قلب مدينة قامشلو تتجاور محلّات عدّة، تستند إلى بعضها في ودّ وألفة، تفتتح أبوابها لتفوح رائحة الاصالة المعتّقة، ونفحة من روائح العسل؛ والكيمر والقشطة، تجوب أروقة السوق المسقوف الذي يشهد حركة دائبة منذ ساعات الصباح الأولى، للحصول على وجبة فطور غنيّة وصحيّة وبنكهة شهيّة عريقة.

وجبة الفطور من الوجبات الأساسيّة في اليوم رغم عزوف البعض عنها، ولكنها تبقى أهمّ وجبة غذائيّة للحصول على الطاقة أثناء اليوم، ويعد سوق الكيمر من أقدم وأعرق الأسواق التراثية الشعبية في قامشلو ووجهة سكان المناطق والأحياء المجاورة وحتى بعض المحافظات الأخرى، فقد ارتادوا السوق منذ القدم للتّسوق بسبب تنوّع المأوكولات التي تعرض فيه، وما يميّز السوق عن غيره هو تقديم وجبة الفطور في الصباح.

 خلال جولتنا في السوق سلطت صحيفتنا الضوء على محلّات تقديم الفطور، التي اتّسمت بالبساطة والقدم في آن واحد، التقينا أحد الباعة، مسعود هلّوش، الذي حدثنا بدوره عن المحلّ وقدمه بقوله: “يعد محلي من أقدم المحلات في السوق، فقد افتتحه والدي منذ عام 1973ويعد أول محلّ اُفتتح تقريباً، ومع توالي الأيّام أكملت الطريق من بعده فحافظت على عراقة المكان وجماله باستمرارية عملي  به”.

     كما بيّن لنا هلّوش سبب ارتباط اسم السوق بالكيمر والعسل؛ وذلك لندرته وغياب محلات تقدّمه أو تبيعه سوى هذه (القيصرية).

أكثر من 22 عام من العمل

 يفتح السوق أبوابه منذ ساعات الصباح الباكر؛ ليستقبل زبائنه ويصبح الشريان الذي يقدّم الفطور المتكامل للمواطنين، فيجتمع الناس في قيصريّة مكوّنة من دكاكين عدّة صغيرة ومتقابلة تعد أرثاً من الحضارة.

وعن ساعات العمل يخبرنا هلوش: “إنها تبدأ من السابعة صباحاً حتّى السادسة مساءً، فبعد تقديم وجبات الفطور صباحاً يستمرّ العمل على بيع الكيمر والعسل في فترة ما بعد الظهيرة”.

 وفي مقارنة لأعداد الزبائن في الماضي والحاضر، بيّن لنا هلوش أن المحل كان يمتلئ بالزبائن فيما سبق والآن فقد قلّ عدد مرتادي السوق كثيراً؛ وذلك بسبب ارتفاع الأسعار وجائحة كورونا التي غزت المنطقة، ومع ذلك مازال البعض يقصد السوق لتناول الفطور في المحل ولا يستغني أحد عن هذه الوجبة اللذيذة.

وفي السياق ذاته التقينا بالبائع – رعد صالح الجاسم – الذي عمل في السوق منذ اثنين وعشرين عاما في أحد المحلات حتى افتتح محلّه الخاص في عام 2010، والذي بدوره حدثنا عن الأسعار فقال: “أن الأسعار هنا مقبولة ومناسبة بعض الشيء فسعر الكيمر والعسل للفطور بـ 4000 ل.س والمامونية والجبن بـ 2000 ل.س”.

وعن كيفية وطرق حصوله على الكيمر والعسل،  يقول الجاسم: إنّه يقوم بجلب الكيمر من (حارة طيّ وديرك)، وفيما يتعلّق بالعسل يوجد منه أنواع كثيرة:  فمنها المعلّب والطبيعي فيُأتى به من معامل في مناطق مختلفة كـ “درعا وحماة وغيرها” أو من مربي النحل في قامشلو والمناطق المجاورة.

وتابع الجاسم حديثه عن عدد الأشخاص التي تزور المحل في السابق مقارنة بالزمن الحالي فقال: “كان المحل يمتلئ بالزبائن أما اليوم فقد نستقبل قرابة 15 شخصا من المواطنين فقط؛ وذلك لكثرة المحلات التي تقدم وجبة الفطور”.

 ويؤكد رعد الجاسم على عدم وجود الكيمر في أي محافظات أخرى من سوريا، لذا يأتي الناس به من مناطق مختلفة لشرائه ؛ لما يحتويه من فوائد غذائية.  

“وجبة فطور متكاملة وصحيّة”

    لا يحبّ الجميع تناول الفطور في ساعات الصباح الباكر، والبعض ليس لديه وقت كاف قبل العمل، فيقصد الكثير من المواطنين “سوق الكيمر” لتناول وجبة الفطور.

وكان لنا لقاء مع أحد الزوار الدائمين لهذه المحلات المواطن – خليل إبراهيم – الذي أطلعنا على سبب تناوله وجبة الفطور هنا فقال: “جميع أصناف الغذاء التي توضع على مائدة الطعام في الصباح متوفّرة في أكثر لبيوت لكن الكيمر نادر وطعام مغذي، ويعد وجبة فطور متكاملة وصحية للجسد لذلك أقصد هذه السوق دائماً”.

 ربّما تحتّم عليك طبيعة عملك الخروج باكراً وعزوف لوجبة الفطور في المنزل كما أخبرنا المواطن –عبد الله الحسن – عن الامر بقوله: “إنّني أخرج في الصباح الباكر للعمل، فلا أستطيع تناول الطعام قبل مغادرة المنزل ؛ لذا أتناول طعامي هنا، وعلاوة على ذلك الفطور الذي يقدم في هذه المحلات لذيذ وصحي، ويحتوي الكثير من الفوائد الغذائية التي تعطي الطاقة لمتابعة العمل”.

 ومع انتشار المطاعم وتتالي الأزمان والتقدم المعماري، بقي هذا السوق محافظاً على جماليّته وتميّزه في قلوب أهالي مدينة قامشلو، وما يزال يمنح الطمأنينة والدفء لزوارها والكثير من الحفاوة والكرم التي يُعرف بهما أبناء المنطقة.