سوسيولوجيا الحرية.. وتداخل الدين بالفلسفة-1-

د. علي أبو الخير (كاتب وباحث سياسي)_

---

آليت على نفسي أن أقوم بتعريف المثقفين المصريين والعرب، بفكر الزعيم “عبد الله أوجلان”، لثلاثة أسباب، الأول هو صعوبة العثور على مؤلفات الرجل، والسبب الثاني هو صعوبة فهم القضايا المتشابكة التي يطرحها في كتبه المطبوعة، فهو موسوعي الثقافة، يحدثك عن القضية الكردية، فيأخذ في نقد النظام الرأسمالي العالمي، وعندما يكتب عن الثورة، فهو يطرح رؤيته للدولة المدنية، فيقارن تلك الدولة بروح الديمقراطية، ثم نجده يتحدث عن الفلسفة والدين والاجتماع والتاريخ، والسبب الثالث هو حملة التشويه المنظم ضد الرجل الحر الذي يعيش وراء الأسوار في تركيا، حملة تشويه ليس لها نظير في التاريخ.

ولذلك آثرنا الكتابة عن بعض فكره، لنكوّن رؤية لمن يعرف الرجل معرفة سطحية أو لم يعرفه، إلا قليلاً، لأنه وهو في سبيله لتحرير شعبه، لم ينسَ حرية باقي الشعوب، بل نراه وهو يتحدث عن حرية الطيور والحيوانات وباقي مخلوقات الله.

لذلك نكتب هذا المقال للحديث عن “سوسيولوجيا الحرية”، وهو عنوان فرعي لمجلد “مانيفستو الحضارة الديمقراطية” – المجلد الثالث – الطباعة الثالثة، ونرصد بسرعة نظرته للسلطة المجتمعية، وتصوّره الديني كما يراه ويعتقده كل الكُرد.

مفهوم الحرية

الحرية من أهم الحقوق، التي يجب أن يتمتع بها أيّ إنسان، وهي حق ثابت لجميع البشر؛ فليس لأحدٍ أن يتجرّأ على حرمان آخر منها، أو إنقاصها، أو تحديدها فهي غير قابلة للتصرّف، كما أنّ الحرية تُشعِر الفرد بأهميّة دوره، بل بفعلية وجوده، واكتمال إنسانيّته، ويُعتبر اختيار الإنسان لمأكله، ومشربه، وطبيعة لباسه، ومكان عمله؛ من أبسط مظاهر الحرية التي يُمكن التحدّث عنها.

وتشمل هذه المظاهر حرية الفكر والتعبير عن الرأي، والحق في الاختلاف، وغيرها من صور وأشكال الحريات. وتتعدد تعريفات الحرية، لكنها غير محصورة بجملة معيّنة أو تعريف بعينه؛ فهي الكلمة التي يستطيع كلّ إنسان الشعور بها بالممارسة العملية في الحياة.

الحرية هي قدرة الفرد دون إجباره، أو مساومته بشرط أو ضغط خارجي، على اتخاذ قرار، أو تحديد خيار من جملة خيارات مُتاحة. هي التحرر من الضغوط أو القيود التي تكبت طاقة الإنسان وقدراته، وهي عكس العبودية لشخص أو جماعة ما، أو التخلّص من كلّ أنواع وأشكال الإجبار، والتحكّم، والإكراه.

مفهوم الحرية عند الزعيم أوجلان

من ضمن تعريفه للحرية، يقول الزعيم عبد الله أوجلان في ص 39 – 41 “حسب رأيي، فمن المهم عدم سلوك الأنانية في موضوع الحرية، وعند السقوط في اختزالية، تجعل الحرية حكراً على الإنسان، أو يمكن إنكار أن تخبط الحيوان المحبوس في القفص هو من أجل الحرية، حقيقة الحرية في تغريدة البلبل… كما أن الحرية المجتمعية لها عمق مجتمعي وفردي… وعلى سبيل المثال، فإن المال يعرقل الحرية المكتسبة”…

يحدث الصراع الطبقي، ليس داخل الدولة الواحدة، ولكن على مستوى الدول، فيحدث صراع طبقي بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وتشتعل الحروب ويموت الأبرياء، والنظام الرأسمالي بصورة عامة يرسخ مفهوم الحراك الطبقي، قد يكون مكتوماً، ولكنه سينفجر في يوم من الأيام.

قال أوجلان حول مفهوم الحرية: “أنا لست من رأيكم ولكنني سأصارع من أجل قدرتكم على القول بحرية” وهذا يوضّح أنّ مفهوم الحرية أيضاً، قد يتعلّق بالرأي والتعبير عنه، وإتاحة الفرصة، وبذل الجهد حتى يتمكّن الآخرون من التعبير عن آرائهم أيضاً. الاستقلال عن خيارات الآخرين، أو التخلّص من التبعية لجماعة أو عشيرة؛ حيثُ تُقيّد بعض العادات القبلية حرية الفرد في اختياره الزوج، أو طبيعة علاقته مع الآخر التي تحددها القبيلة وفق علاقاتها مع القبائل الأخرى.

 الحرية هي فعل إنساني طبيعيّ، أو هي القدرة على الفعل، أو الامتناع عن الفعل. هي الخطوة الأولى نحو تحمّل المسؤولية؛ فكيف لدولة لا تؤمن بحرية الفرد في تقرير مصيره أن تطالبه بدفع الضرائب. الحرية إحدى أهم العوامل المُحرّكة للشعوب في ثوراتها ضد أنظمة الحكم الشمولية، وهي إحدى القضايا العادلة التي تنادي بها الشعوب على مدار الحقب الزمنية.

وتعريف الحرية على أنها تعني التكاثر والتنوع والاختلاف في الكون، يُسهّل مهمتنا حول توضيح الأخلاق المجتمعية أيضاً، فالتكاثر والتنوع والاختلاف، مصادر باعثة على التفكير، بوجود كائن ذكي، حتى وإن لم تكن أحاسيسنا بذلك مباشرة، فالبحوث العلمية تُقدّم لنا دلائل، على أن الحيوان والنبات يمتلكان ذكاءً يسعى إلى التنوع، كآلية تحافظ على الوجود ومتماشية مع التطور، بفعل التغيرات الطارئة عليه وعلى البيئة، لكن ستكون أحكامنا في استبعاد وجود كيان آخر شبيه بالذكاء الإنساني داخل الكون، مجرد قول وهراء وخرافة، وإلا فكيف سيمكن لنا شرح الاختلاف، من دون الذهاب إلى الإقرار بوجود ذكاء ينظم هذا الاختلاف والتكاثر والتنوع، إن لم تتوفر لهذه العملية الحرية المطلوبة، ومن ورائها ذكاء مخفي، فإذا أقررنا بالمبدأ الذي يقول، بأن الإنسان هو أذكى المخلوقات الموجودة والمعروفة حتى الآن، ألا يكون سؤالنا محقاً ويحتاج إلى جواب يناسبه، إن قلنا كيف لهذا الإنسان امتلاك هذا الذكاء الذي نقر به، ونستبعد أو ننفي إمكانية توافر هذا الذكاء في مكان آخر من الكون، أو في الكون نفسه. أفلا تكون تعريفات بعض المدارس الفلسفية للإنسان بأنه: نموذج مصغر عن الكون دقيقة ومحقة وصائبة. بوصفه حصيلة تراكم ذكاء كوني على أصعدة الفيزياء والكيمياء والنفس والاجتماع.

فالأخلاق المجتمعية وفق هذا السياق، لا يمكن تحصيلها، إلا عن طريق الحرية بوصفها غاية للكون، أو بمعنى آخر، الحرية هي منبع الأخلاق ومصدرها. فالخيار الأخلاقي المنبثق عن الحرية يستوجب منا في هذه الحالة، تعريف الأخلاق، بالوعي الجمعي للمجتمع، في إطار مصطلح الضمير الجمعي للمجتمع.

سوسيولوجيا الحرية

يرى الزعيم أوجلان أن البنية المعرفية للنظام الرأسمالي العالمي تشهد أزمة مماثلة لما هو الحال عليه، كما يقول الأستاذ يوسف الخالدي – دراسة في سوسيولوجيا الحرية في موقع https://pydrojava.org في أجهزة السلطة والإنتاج، حيث أن البنى المعرفية أكثر قابلية للتداول الحر والانتشار، بحكم طبيعتها، لذلك فهي أكثر قابلية على مدنا بالقدرة على التفسير الشامل لأبعاد الأزمة التي يعاني منها كل من العلم ودور المعرفة، وما بين البنى الاجتماعية من جهة، والبنى السلطوية من جهة أخرى، فالتطور الكبير والمتسارع لأجهزة المعرفة، وانتشارها الواسع بين ثنايا المجتمع، يشكل ثورة في التاريخ، حيث مراحل الثورة في التاريخ، تمارس أحياناً دور البحث عن الحقيقة وأنساقها.

من ص 164 – ص 311 ببعض التصرف.