ستة أعوام من الاحتلال… المرأة في عفرين بين الإبادة الفكرية والنضال

الشهباء/ فريدة عمر ـ

يدخل احتلال تركيا مقاطعة عفرين، عامه السادس، فمنذ الاحتلال، والمرأة تشهد مختلف صنوف العنف والانتهاكات على يد الاحتلال التركي ومرتزقته، وسط صمت للجهات المعنية، الذي يشجع على عمليات الإبادة بحق النساء.

تشهد المناطق المحتلة، ومقاطعة عفرين على وجه الخصوص، جرائم ومشاهد للقتل والاعتداء والاختطاف والاغتصاب، وعمليات النهب والتدمير والسرقة، والتغيير الديمغرافي للسكان الأصليين ولتاريخهم ولثقافتهم.

لا شك بأن المرأة لها النصيب الأكبر من كل تلك الانتهاكات وسياسات الإبادة، لأن ما يُمارس بحق المرأة العفرينية يعد سياسة ممنهجة، بهدف تزوير تاريخها، وكسر إرادتها، والتي كانت ذات شأن ومكانة مقدسة قبل الاحتلال، وكان لها الدور الريادي في مختلف مجالات الحياة في ظل إعلان الإدارة الذاتية عقب ثورة التاسع عشر من تموز. إلا أن المرأة، وإبان الاحتلال التركي على مقاطعة عفرين، بتاريخ 18 آذار من العام 2018 ولحد هذه اللحظة، تعيش بشكل يومي، مختلف وسائل الإبادة على يد مرتزقة الاحتلال التركي، التي جعلت من مقاطعة عفرين بؤرة لانتهاك جسد المرأة.

للمرأة دور بارز في عفرين قبل الاحتلال

تعرف مدينة عفرين، بمدينة المرأة، نظراً لمكانة المرأة ودورها الرائد في مجالات المجتمع، بدءًا من إدارة الأسرة، وجهدها في الزراعة والإنتاج وصولاً إلى الجوانب الحياتية، وقد طورت المرأة من ذاتها أكثر مع انطلاقة ثورة التاسع عشر من تموز “ثورة روج آفا”، التي كانت الدافع الأكبر للمرأة لتحطيم القيود والبراثن العالقة في أذهان المجتمع، التي زرعتها الذهنية الذكورية، وعمقتها أنظمة الدولة، حيث أن تلك الثورة حققت معها ميلاد العديد من الثورات الأخرى، من ضمنها ثورة المرأة، وثورة اللغة والمسرح، وثورة الثقافة، ولعبت المرأة دوراً بارزاً في نجاح هذه الثورات والحفاظ على مكتسباتها، وحققت وجودها بنسبة 50% في كافة الهيئات والإدارات، وكان لها الدور في نجاح نظام الرئاسة المشتركة، وشكلت هيئة المرأة ودور المرأة ولجانها الخاصة، وشاركت في المجالات العسكرية والسياسية والاجتماعية كافةً.

إلى جانب ذلك، مشاركتها الفاعلة في صنع القرار واتخاذه، وتمثيل المرأة والدفاع عن فكرها ووجودها، إلى جانب الرجل، للنضال في وجه الأنظمة والعادات والتقاليد التي عملت للحد من شأن المرأة ومكانتها، وعملت على تحقيق المساواة والعدالة والديمقراطية في المجتمع، وكان للمرأة العفرينية قبل الاحتلال دور قيادي في الأسرة وفي المجتمع.

المرأة في ظل الاحتلال

وشنت دولة الاحتلال التركي برفقة المرتزقة التابعة لها، وبتآمر دولي وضوء أخضر من حليفتها روسيا، حرباً على مقاطعة عفرين، بتاريخ 20 من كانون الثاني من العام 2018، والتي استمرت مدة ثمانية وخمسين يوماً، حيث قاومت المرأة مقاومة تاريخية “مقاومة العصر”، أثناء تلك المقاومة ضد أشرس عدو، حيث أنه ومنذ اليوم الأول للهجمات على مقاطعة عفرين، بدأت معها أشكال الإبادة، من استهداف المدنيين والأطفال والنساء على وجه الخصوص، فالتلاعب بجسد الشهيدة بارين كوباني، كان أكبر دليل لتخوفهم من إرادة المرأة، وأظهر ذلك الحقد الدفين لدولة الاحتلال التركي ومرتزقتها تجاه المرأة.

وبتاريخ 18 آذار من العام نفسه، اُحتُلت مقاطعة عفرين من قبل الاحتلال التركي ومرتزقته، ومنذ ذلك اليوم ولحد هذه اللحظة، باتت الانتهاكات مشاهد يومية تتكرر بمختلف الوسائل، وللمرأة الحصة الأكبر فيها.

ومنذ تاريخ الاحتلال ولحد إعداد هذا التقرير، وحسب إحصائية لمنظمة حقوق الإنسان عفرين – سوريا، تم اختطاف أكثر من /1100/ امرأة بينهن قاصرات، فتم إطلاق سراح العديد منهن، ولا يزال مصير أكثر من /300/ امرأة منهن مجهولا، كما تعرضت /80/ امرأة وفتاة قاصراً للتحرش الجنسي والاغتصاب، وقتلت أكثر من /90/ امرأة لسوء الاعتقال التعسفي، والتعذيب وانعدام القوانين وأنظمة الرعاية الصحية الخاصة بالسجون، وحدوث عشر حالات انتحار، كما أصدر الاحتلال التركي في الأشهر المنصرمة قرار حكم الإعدام بحق امرأتين من بين سبع نساء حكم عليهن بالمؤبد. وفي سياق متصل، وبإحصائية أخرى لمنظمة حقوق الإنسان عفرين – سوريا، بتاريخ السابع من الشهر الجاري، وعشية احتفال العالم بيوم المرأة العالمي، إلا أن هذا اليوم كان ولا يزال كابوساً على المرأة في عفرين المحتلة بوجود الاحتلال التركي ومرتزقته، حيث وأن المنظمة أفادت في تقريرها، بأن مرتزقة من فرقة “سليمان شاه”، أقدموا على طرد المسنة الكردية “فاطمة عزت بكر”، من أهالي ناحية شيه بريف عفرين المحتلة، من منزلها بقوة السلاح، والتي أصيب بجلطة قلبية على إثرها.

وهذه الحالة ليست الأولى من نوعها، فخلال العام المنصرم فقدت المواطنة /ملك خليل إيبو/، من قرية علي جارو من ناحية بلبله، حياتها قهراً، بسبب التهديدات التي تلقتها أثناء مطالبتها بالحصول على منزلها ورفضهم تسليمها، كما وفرض مرتزقة السلطان سليمان شاه فدية مالية بقدر/8000/ دولار أمريكي على المواطنة زلوخ رشيد من قرية سنارة في ناحية شيه مقابل الحصول على ممتلكاتها، وكل هذا جزء صغير جداً مقابل ما يحدث هنالك بشكل يومي بحق الأهالي، من فلتان أمني وغياب المساءلة والمحاسبة، وزرع الخوف والرعب في نفوس الأهالي، إلى جانب الانتهاكات الأخرى التي تحصل، على خلاف ما كانت عليه مدينة عفرين قبل الاحتلال، حيث أنها كانت الملاذ الآمن للعديد من السكان من المناطق الأخرى، الذين فروا من الصراعات الدائرة.

غياب المساءلة القانونية والصمت الدولي

وبهذا الصدد، صرحت الحقوقية “روشين حدو“، أن ما يحدث من انتهاكات في عفرين المحتلة يعود الدور الرئيسي فيه لغياب المساءلة القانونية والصمت الدولي: “على الرغم مما يحدث في عفرين المحتلة، من انتهاكات منافية لحقوق الإنسان، وتعارض القوانين والمواثيق الدولية، إلا أن المنظمات والجهات المعنية، والمجتمع الدولي يلتزم الصمت، وذلك يشجع دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها، من الاستمرار بذلك دون حسيب أو رقيب، وجعل حياة السكان وتاريخ وثقافة المنطقة بين الإبادة والصهر”.

للحد من الجرائم يجب إنهاء الاحتلال في المناطق المحتلة 

وبتاريخ 29 شباط الجاري، أصدرت منظمة “هيومن رايتس وتش”، تقريراً حملت فيه الاحتلال التركي مسؤولية ما يحدث من انتهاكات وجرائم حرب في المناطق المحتلة، وحول ذلك أضافت روشين: “لقد أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش مؤخراً، تقريراً لها، كشفت فيه عما يحدث من أعمال تعسفية وجرائم في المناطق المحتلة، وحملت فيه تركيا كسلطة هنالك عقب الاحتلال مسؤولية ذلك، وطبعاً تركيا مسؤولة من اللحظة الأولى منذ شن هجماتها الاحتلالية على المنطقة، فمقاطعة عفرين عقب الاحتلال تحولت إلى بؤرة للعنف والجرائم اليومية، وأعمال تعسفية بحق السكان والمرأة على وجه الخصوص، حيث أنها تتعرض لأكبر عمليات إبادة ثقافية، وعرقية”.

وفي ختام حديثها، أكدت الحقوقية “روشين حدو”، بضرورة إنهاء الاحتلال وطرد المرتزقة في المناطق المحتلة: “ولإنهاء هذه الجرائم يتوجب أولاً اعتبار تركيا دولة احتلال، وجميع الانتهاكات التي تحدث هي جرائم حرب، ويجب محاسبة تركيا على جرائمها، ولا يمكن إنهاء العنف والانتهاكات التي تمارس هنالك مع استمرار الاحتلال ووجود مرتزقته”.