زهيدة إسحاق لم يثنِها العمر عن إتمام حلمها بالتعلم والتدريس

منبج/ آزاد كردي –

عندما يسعى المرء نحو أهدافه تتوقف التحديات والصعوبات عاجزة أمام عزيمته التي لا تنكسر، وهذا ما فعلته زهيدة إسحاق، فبالرغم من تقدمها بالسن، فقد كانت قادرة على التغيير، في رحلة تعليمية تصفها زهيدة بالشاقة.

واجهت زهيدة إسحاق 67 عاماً صعوبات في إكمال تعليمها بعد البكالوريا، لكنها لم تستسلم، فاتجهت إلى التدريس لسنوات قبل أن تتفرغ لتربية أولادها، ولكنها لم تنسَ حلمها بتعلم المزيد، لذلك خصصت وقتاً للقراءة في حياتها اليومية.

إلا أن سيطرة مرتزقة داعش على منبج اجبرت زهيدة على الهجرة مع عائلتها هرباً من الظلم، تاركين خلفهم ذكريات قاسية، لكنها لم تفقد الأمل، فعادت إلى بلدها بعد التحرير، مُصمّمة على إعادة بناء حياة جديدة وذكريات أخرى بعيدة عما عاشته من مآسٍ.

شغفٌ بتعلم المزيد

آمنت زهيدة بأن لها دوراً في بناء المجتمع، وبدأت عملها بشكل طوعي في دار المرأة، ثم انتقلت إلى لجنة المرأة، فأصبحت نائبةً للجنة حتى عام 2020، بعد ذلك، انتقلت إلى العمل في لجنة العلاقات الاجتماعية، ثم في مكتب التدريب التابع للمجلس التنفيذي.

تعمل زهيدة في العديد من المؤسسات، فهي عضوة في المجلس التشريعي، وعضوة في رابطة المثقفين منذ تأسيسها، وعضوة في حزب سوريا المستقبل.

وبالرغم من المناصب التي استحقتها، لم تتوقف عن تطوير مهاراتها، فشاركت في العديد من الدورات التدريبية، سواءً المغلقة أو المفتوحة. كما شاركت في مؤتمرات وندوات حوارية ثقافية وسياسية، ولقاءات إعلامية، ونشاطات ثقافية. لم تكتفِ زهيدة بنشاطها المجتمعي، بل أخرجت الكاتبة التي تقبع في داخلها للتعبير عن أفكارها ومشاعرها، وقد كتبت العديد من القصص القصيرة والخواطر، ونشرت بعض المقالات في مجلتي شرمولا وسيوان.

الإيمان بالقدرات بداية النجاح

كان عمل زهيدة مثلاً ألهم العديد من النساء، فبالرغم من سنها استطاعت الانخراط في مجال عمل المجتمع في مجالات عدة دون الخوف من الفشل، فكانت المنارة، التي تقتدي بها العديد من النساء، وألهمت الكثير منهن للمشاركة في العمل المجتمعي.

تصف زهيدة هذا التأثير الذي التمسته من العديدات ممن قامت بتدريبهن أو مناقشتهن في حوارات عادية: “كن يصفنني بالقدوة، ويمدحن دروسي إذ يطلبن المزيد من المعلومات، وطرح العديد من النقاشات التي لا تنتهي، فالمرأة لا تشعر بالملل مما أعطت”.

ورحلة زهيدة الطويلة في التعليم والتعلم جعلتها تؤمن بأهمية تعرف النساء إلى واجباتهن قبل المطالبة بحقوقهن، فتقول: “إن المرأة هي بداية التجمع المجتمعي، فهي أصل التربية والتعلم، فتعلم أي مبدأ من مبادئ الحياة ينتشر ويقوم من مفهوم وعي المرأة، فهي المقدسة والآلهة حينما لم تكن معبودات غيرها، وهذا لم يأتِ من فراغ، بل كان بسبب المجهود الكبير، الذي تقوم به، وعليها أن تُدرك ما كان على عاتقها، وما يتوجب عليها القيام به”.

فالمحرك الأساسي لعصب المجتمع هو المرأة، وتؤكد: “العديد من النساء ساهمن في تطور مجالات عدة، ومن خلال هذه المساهمة القوية ظهرت قوتهن في بناء الحياة”.

عزيمة لا تنثني

تتمتع زهيدة بروح رياضية عالية في تعاملها مع الانتقادات، إذ ترى أن أي انتقاد يوجه إليها يصب لصالحها، فإن كان بناء قد استفادت منه معلومة جديدة تضيفها إلى إنتاجها المعرفي، وإن كان محض سخرية أو تقليلاً يزيدها إصراراً، إنها تسير على الطريق الصحيح، وتبين أنها في نهاية كل يوم تسترجع ما مر معها؛ لتتعامل معه بكل عفوية وروح رياضية دون تخزين الانتقادات الجارحة في عقلها، حتى تصبح قادرة على الاستمرار في أحلامها.

ولا تكترث زهيدة لأي من الصعوبات التي تواجهها: “الصعوبات مهما كانت لا تزيدني إلا قوةً وإصراراً، ولا أجد هناك شيئاً صعباً؛ لأن هناك حلولاً لكل شيء فلا شيء مستحيل”.

تتمنى الستينية زهيدة إسحاق في ختام حديثها أن يزداد وعي المرأة بحاضرها ومستقبلها بعيداً عن المناظر الخداعة: “أريد أن تحظى النساء بمزيد من التقدم والوعي، وألا يستسلمن للأشياء البراقة، التي لا فائدة منها سوى الضياع والتشتت، وبضياعها تنهار الأسر والمجتمع”.

وكانت زهيدة واحدة من ثلاث شخصيات كرمتهم هيئة الثقافة في الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، وبالتعاون مع هيئة الثقافة والفن في مقاطعة منبج من خلال حفل تكريم لعدد من مثقفي مقاطعة منبج تقديراً على تفانيهم بعملهم وعطائهم في خدمة المجتمع.