جل آغا/ أمل محمد –
في ربوع قرية باترزان التابعة لناحية جل آغا، تقطن زهرة سيد أحمد المرأة الستينية من ذوي الهمم، التي لم توقفها الإعاقة، التي ولدت معها منذ نعومة أظفارها في السماح لليأس من السيطرة عليها، إعاقة في ساقها منعتها من السير بشكل طبيعي، ولكن لم تمنعها من ممارسة حياتها، بل واجهت ذاك العجز بالإصرار، وبمصدر للقوة وللإرادة، حتى غدت نموذجاً ينهل منها الجميع إلهامهم، وشغفهم بالحياة.
لكلٍ منا حكاية ولكلٍ منّا قصة في هذا الكون الهائل، منّا مَن يستسلم، والآخر من لديه القدرة على استغلال نقاط الضعف، وتحويلها إلى قوة، ومنا من ولد بجسم سليمٍ معافى، ولكن العجز كان في عقله، ومن ولد بنقص في جسده، ولكن كماله كان في حكمته ورشده، هكذا هي الحياة غير منصفة، ولكن علينا رسم خطط للسير عليها، إما الاستمرار، أو الوقوف بصمت في منتصف الطريق.
أعمال يدوية، وقصة الكفاح
تحترف زهرة مهارة نسج الصوف، بل وتبرع فيه، بالإضافة إلى صناعة السجاد بطرق بدائية، والنقش على الأقمشة، والتي تُسمى “التطريز”، فلديها مواهب عديدة، احترفتها زهرة، واكتسبتها منذ الصغر، بسبب رغبتها الملحة على التعلم، حدثتنا: “في ذاك الوقت، الذي كنت فيه طفلة صغيرة، كانت النسوة تجتمع على شكل حلقات، تلك التي تنسج، والأخرى تُطرز، والأخيرة تقوم بحياكة السجاد، هكذا جرت العادة، فالعمل بشكل جماعي، كان يُضيف نكهة للعمل، ومن هنا، ومن خلال تواجدي بين هؤلاء النسوة، اكتسبت المعرفة اللازمة في الغزل والنسج”.
صنعت زهرة خلال سنوات عديدة الكثير من الأعمال، التي تعتمد على الصوف والخيوط، فقد صنعت أعمالا لعائلتها، ولأهالي القرية، دون مقابل، لأن تقديم المساعدة للغير أكبر إنجاز في حياة الإنسان على حد وصفها، وتابعت: “يُطرق باب منزلنا مرات عديدة من قبل أهالي القرية، الطالبين المساعدة والمشورة، فأقدم من خبرتي المتواضعة، وخصوصاً للفتيات المقبلات على الزواج، أصنع لهنّ ما يمكنني عمله من تطريز الأقمشة، وإعداد اللحف، والمخدات”.
العكازة، ورحلة الحياة
وحين سألناها هل الإعاقة وقفت ثغرة أمام ممارسة حياتها؟ أجابت قائلةً: “ولدت مع هذه الإعاقة، والتي تمنعني من السير كباقي البشر، إلا إنني لا أجدها سبباً لعدم انخراطي في الحياة، فالعكازات، التي تُساعدني على المشي هي جزء من رحلتي الطويلة في الحياة، والإعاقة تكمن في خبايا، وعقول البشر، وليست في أجسادهم، نعم أجد صعوبة في المشي، وأعتمد على العكازات، ولكن هذا الأمر زاد من إصراري في مواجهة واقعي”.
وزادت: “في شبابي قمت بأعمال كثيرة، وشاقة، فلم ألتفت لإعاقتي، كنت أذهب مع عائلتي للحصاد، ولزرع الأراضي الزراعية بطرق قديمة، من حلب للمواشي وتربيتها، وزراعة الخضروات، التي أبرع فيها، وإلى الآن أخبز الخبز بأنواعه في البيت، ولأهالي القرية، ناهيك عن أعمال المنزل الروتينية من طهي وتنظيف”.
منزل الحكمة، ومحبة الأهالي
تسكن زهرة برفقة أخيها الأصغر، مع العائلة في منزل العائلة، تستقبل الزوار وتقدم من حكمتها بوجهٍ سموح، ما جعل منها امرأة تكتب اسمها من ذهب في مواجهة الحياة، وأضافت: “الحياة اليوم مُغايرة تماماً عن السابق، اليوم كل شيء متوفر بسبب التطور الحضاري، ولكن حينها كانت الأيام أكثر بساطة، فعلمتني معنى الاعتماد على النفس، والعمل بجدية، فتقلصت قدرتي على العمل؛ بسبب تقدمي بالسن، ولكن لا زلت أعمل، ولكن بشكل أقل من السابق”.
وفي ختام حديثها، وجهت زهرة كلمة لذوي الاحتياجات الخاصة قائلةً: “الإعاقة ليست جُرماً نخجل منه، هي إرادة الله، وعلينا تقبلها، هذا الحياة تستحق أن نعيشها بمرارتها، وحلاوتها، فكن نفسك، وواجه واقعك، وبرهن للجميع من أنت؟ وما يمكنك فعله؟ فقط ثق بنفسك، وبقدراتك”.
