زهرة دوغان… وصفعة أردوغان

عبد الرحمن محمد-

الفن مرآة وضمير المجتمع، وسلاح في وجه الاستبداد والاحتلال والظلم، وكم من فنان ملتزم بقضايا شعبه كان الدرع الحامي والسلاح المدافع عن قضيته ومحرراً للعقل والفكر والسراج المنير لكل طريق مظلم وشائك.

زهرة دوغان، فنانة شابة استطاعت أن تهزم الشر والاستبداد الكامن في سلطة أردوغان عبر حزبه الحاكم وآلات بطشه، ولم يرهبها جلاوزته ولا أساليبهم القمعية، فباتت من إحدى أيقونات الفن في العالم ومثال المرأة الرافضة للذل والإهانة وأوصلت صوت شعبها للعالم أجمع، من خلال رسالتها التي قالت فيها بريشتها وعدستها لا للظلم لا للحروب لا لمحاولات صهر وفناء الكرد.

كانت زهرة من بين الآلاف الذين زجت بهم تركيا في السجون دون محاكمة، إبان محاولة الانقلاب الفاشلة والمصطنعة عام 2016، وكانت التهم جاهزة: التعاون مع حركة فتح الله غول أو الانتماء والانحياز لحزب العمال الكردستاني، وكانت جريمتها حسب نظام أردوغان أنها صورت مدينة كردية تم تدميرها من قبل الجيش التركي، وسجنت لثلاث سنوات.

لم يرهب السجن والتعذيب زهرة، بل زادها إصراراً على العمل ورفض الواقع وكان من أكثر ما قوى من عزيمتها وهي في السجن عندما وصلت قضيتها لمؤسسات وشخصيات فنية، ومنهم الفنان البريطاني “بانكسي” الذي رسم لوحة جدارية بلغ طولها 21 متراً، في أحد شوارع مانهاتن وسط مدينة نيويورك، وظهر فيها وجه الفنانة زهرة من وراء القضبان، وكانت نهايات القضبان رسمت على شكل قلم، وفي أسفل اللوحة دعوة إلى الإفراج عنها، وذَيّلِ اللوحة بعبارة “الحرية لزهرة دوغان”.

بعد الإفراج عن زهرة دوغان وهي بعمر 31 عاماً غادرت البلاد ولكنها وهي في السجن كانت تكافح باستمرار ولم تتوقف عن الرسم وبمواد وطرق وأساليب متعددة، اعتمدت في ذلك على بعض الفواكه والدم والألبسة البالية وبقايا الطعام، وقد جمعت تلك الأعمال في معرض لأعمالها خلال السجن.

وفي تقرير لصحف بريطانية عنها وهي في السجن يذكر: “لطالما وجد الكتاب الأتراك والكرد أصواتهم في السجن، بينما تأثرت أعمال الفنانين التشكيليين المنقطعين عن المواد والوسائط الخاصة بفنهم. ومع عدم وجود ورق، استخدمت دوغان الصحف والورق المقوى والملابس كقماش. بالنسبة للطلاء، وجدت أن الأعشاب المسحوقة الخضراء لون، واللفت كان بديلاً للأرجواني، ويمكن استخدام الرمان أو الدم للأحمر. ويشكل قلم الحبر الأزرق ورماد السجائر وبقايا القهوة والفلفل والكركم جزءًا كبيرًا من لوحة ألوان السجن”.

استطاعت زهرة تهريب أعمالها بفكرة ذكية، وهي إخراجها كملابس متسخة وبالية، والنتيجة بات لديها مجموعة مذهلة من الأعمال التي تم تهريبها من زنزانتها، وعرضت عام 2019 في معرض Kıraathane24 في إسطنبول باعتبارها “غير معتمدة بعد”، وذلك في أول معرض فردي لها في تركيا، وقتها لاقى المعرض استحسان النقاد والجمهور.

وأشارت الصحف وقتها إلى قول زهرة: “نحن بحاجة إلى تعلم القتال من خلال وسائل أخرى. بالنسبة لي، إنه الفن”.

الكثيرين أشادوا بمقاومة زهرة وتضامن معها الكثيرون أيضاً ومنهم الفنان البريطاني بانكسي الذي اعتبر البعض لوحته كصفعة لأردوغان، وعرضت لوحات وصور بانكسي في العديد من دول أوروبا والعالم دون علمها، ورُشح البعض منها لجوائز عالمية، ومن خلال زهرة تم التسليط على فنانين آخرين في تركيا يعانون ذات العذاب والاعتقال وحتى التصفية الجسدية.

وفي حديثها لصحيفة “أنديبندنت” تقول عن عملها الصحفي عند قصف المدينة: “قبل ذهابي إلى تلك البلاد حذّرني بعض الناس من احتمال اعتقالي، في ذاك الوقت، كانت هذه الأماكن خاضعة لحصار عسكري، وفُرض حظر تجول على مدار الساعة، وتُركت جثث المدنيين المقتولين جراء الاشتباكات لأيام في منتصف الطريق”.

يذكر أن الفنانة زهرة دوغان كانت مرشحة عام 2019 لجوائز “مؤشر الرقابة إلى حرية التعبير في مجال الفنون”، وكانت تعمل في بداية مشوارها كصحفية في وكالة  JINHA  وهي وكالة أنباء “نسائية” أغلقت من قبل نظام أردوغان عام 2015، أما الصورة الي اعتقلت بسببها فكانت صورة “لوحة” لمدينة نصيبين وقد تعرضت في قسم كبير منها للتدمير والقصف من قبل الجيش التركي.