“زري” أكثر من قصة فِلم سينمائي

روناهي/ الدرباسية-

لطالما اغتنى الفولكلور الكردي بأغاني وقصص وحكاية, أخذ صداها يُسمع على مدى سنوات وأجيال. حيث أنَّ بعض الأساطير توارثت من الأجداد ومن ثم الآباء وصولاً إلينا نحن الأبناء, مثل أسطورة ممو وزين- خجى وسيامند- فرهاد وشيرين. جميعها أساطير حب تُعتبر أمثلة يُحتذى بها في القصص والأشعار كدليلٍ على قوة قصة حب تُعاش يومنا هذا.

“زري”. أوَّل فلم سينمائي كُردي عُرض في العاصمة الأرمنية يريفان سنة 1926 وذلك بمناسبة الذكرى التسعين لإخراج الفِلم, وكان قد أخرجه حمو بيكنازاريان وكتب سيناريو الفلم لازو هاكوب خازريان. والفلم مستوحى من قصةٍ حقيقيةٍ منتشرة على ألسنة سكان الأغوز.

الفلم بالإضافة إلى أنَّه يعكس قصة حبٍ كبيرة, فإنَّه يصوّر معاناة القرويين الكُرد في أرمينيا عشية ثورة اكتوبر السُّوفيتية. كما يعكس الصِّراع الدائر ضدَّ العادات والتقاليد البالية في تلك المنطقة.

أحداث القصة

تدور أحداث القصة عن الحب الذي وقعت فيه “زري” إحدى أجمل فتيات قرى الأغوز, تجاه سيدو أحد رعاة القرية لتأخذ بعدها قصة الحُب هذه تنتشر بين سكان القرية. ليسمع بها تيمور بك, الإقطاعي الكُردي, ويتقدم لخطبة زري عدّة مرات لكنَّها كانت ترفضه حِفاظاً على حُبها للراعي سيدو. ليقوم بعدها تيمور بك باختطاف الفتاة على رؤوس الأشهاد, وذلك من خلال تجهيز قافلةٍ من الرجال المُسلحين وإرسالهم إلى منزل الفتاة, ليبدأ دق الطّبل طوال المسير, ليصور تيمور بك القصة على أنَّها خطبةٌ تقليدية. تصرخ الفتاة في وجههم “لا أُريدك يا آغا” ليرد الآغا أمام الناس باتهامها بأنَّها ليست عذراء, ويجب معاقبتُها هي وحبيبها سيدو. ويقوم باختطافها أمام أهلها بحُجة معاقبتها.

إلى جانب قصةِ الحُب التي تدور بين زري والراعي سيدو. يجسّد الفِلم نضال الكُرد في تلك المناطق ضدّ ظلم الآغا تيمور بك. حيث أنَّ “خضر”, أخو سيدو الأصغر, ورفقائه لم يقبلوا بهذا الظُلم. فوقفوا في وجه عنجهية تيمور بك لُيساندهم في ذلك كل أهالي القرية.

استطاع مخرج الفلم عكس كل هذه الأحداث التي دارت حول رفض زري لظلم تيمور بك, من خلال مشاهد صامتة. حيث أنَّ المخرج السوفييتي ألكسندر سبيندياروف, كان أوَّل من أدخل الأصوات الكُردية إلى الفِلم وذلك بمساعدة كبار الكُّتاب الكُرد مثل: جليلي جليل- جاسم جليل- وكريم سيدو. كما أنّ الفِلم دُبلج إلى لُغات عديدة أهمُّها الروسيّة والأرمينية. أضف إلى ذلك أنَّ الفلم لا يزال موجوداً في أرشيف وزارة الثقافة الأرمينية.

الفِلم من بطولة كبار الفنانين الكُرد في أرمينيا: ماريا تينازي التي تؤدي دور زري, هاراجيا نيرسيسيان بدور الرَّاعي سيدو, ميكائيل غاراغاش الذي يجسّد دور الآغا تيمور بك, وآخرين, حيث شارك في التمثيل 50 ممثلاً وفناناً.

تشهد السَّاحة الفنيّة في المنطقة المُمتدة من قزوين إلى المتوسط اندماجاً فنيّا, يعكس عملياً الاندماج والتّشارك بين شعوب هذه المنطقة. حيث أنَّ المنطقة من قزوين إلى المتوسط تعتبر فضاء واحد من حيث التكوين الثقافي بالرغم من ألوان طيفه المتعددة, والمتمثلة بتعدُد لُغات هذه المنطقة وشعوبها, الأمر الذي جعل هذا التنوع سلاح ذو حدين. فمن جهة يمكن الاستفادة من هذا التنوع لإغناء هذه المنطقة والعمل على وحدةِ شُعوبها. ومن جهةٍ أخرى يمكن لأعداء هذه الشّعوب, ولا سيما القوى الاستعمارية, أن تستغل هذا التنوع من خلال إثارة النعرات وتغذية صراعات بينيّة, قوميّة, دينيّة, طائفيّة. من شأنها ضرب هذا التنوع وصولاً إلى تقسيم المنطقة بناءً على تصنيفات ثانوية.