سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

رحيل امرأة من فصيلةِ البحر

صبري يوسف (أديب وتشكيلي سوري)_

إهداء: “إلى روح الرَّاحلة الفاضلة مريم القسّ كبرو
لم يعدْ للبكاءِ مطرحاً في سماءِ غربتي، وحيدًا أستقبلُ رحيلَ الأحبّةِ، تنهضُ طفولتي راسمةً فوقَ شهقةِ الرُّوحِ حسرةً، طفولتي المتلألئة بعناقيدِ العنبِ، طفولةٌ مسترخية تحتَ أغصانِ الدَّوالي، تقفزُ صورةُ أمّي كومضةِ البرقِ متربِّعةً في أقصى قطبِ الشَّمالِ، يتاخمُها شموخُ الرَّاحلة الفاضلة مريم القسّ، بكلِّ عنفوانِها تهمسُ في أذنِ أمّي، مشيرةً إليَّ وأنا كنتُ ألملمُ عناقيدَ العنبِ وأفرشُها فوقَ وجنةِ الحلمِ، تهزّ رأسَها مبتسمةً إليّ، طفلٌ مفروشُ الجِناحين على أغصانِ الدَّوالي، تغدقُ عليَّ بسمةً مضمَّخةً بعنفوانِ الفرحِ والعملِ على أجراسِ المحبّةِ، تمشي مزهوّةً وكأنّها من فصيلةِ البحرِ ونسائم الجبالِ، تحملُ سلالَ العنبِ قبلَ أنْ يشقَّ الشَّفقُ جبينَ الصَّباحِ، تقمِّطُ أولادَها بقميصِ المحبّةِ، يترعرعونَ بشموخٍ كأشجارِ السّنديان.
تنهضُ باكرًا على إيقاعِ المناجلِ، كانَتْ نجمةُ الصَّباحِ شاهدةً على عبورِها عوالمَ الفرحِ والحصادِ، صورُ المروجِ وكرومِ العنبِ تسترخي بلذَّةٍ منعشةٍ فوقَ مساماتِ حلمي، صورٌ من بهاءِ ديرك تسطعُ أمامي الآن، تنانيرُ زوجة عمّي، الرَّاحلة بهيّة شمعون عيسكو، تزدهي الآن في ساحةِ حزني وتموُّجاتِ غربتي، صورةُ أختي كريمة وهي تغزلُ بمغزلِها الرَّفيع محرامًا مزركشًا بالورودِ والصُّلبان، ترسمُ الورودَ بدقَّةٍ ولا دقَّةَ القصائدِ، وحدَه قلمي ينتشلني من مغبّةِ الاِنزلاقِ في وجعِ الحنينِ إلى سماءِ ديرك، مندهشٌ إلى حدِّ الاِنبهار؛ كيف تمكَّنْتُ أنْ أغيبَ عن مسقطِ رأسي كلّ هذه السّنين، وأحبائي يرحلونَ عامًا بعدَ عامٍ، وأنا مشرَّدٌ في دنيا من بكاء؟! اليومَ تأكّدْتُ أنَّ تكلُّسات لا حصر لها طاغية فوقَ جذورِ الرُّوحِ، تكلُّسات فوقَ مرافئِ الذَّاكرة، غربتي نارٌ مشتعلة ليلَ نهار، وأنا حلمٌ مفروش الجناحين فوقَ شهوةِ القصيدة، وحدَها القصيدة تلملمُ حزني وتنقذُني من براكينِ الأنينِ، يؤلمُني جدًّا أنَّني سأعيشُ بضعَ سنواتٍ قد تطولُ أو تقصرُ وأرحلُ قبلَ أنْ أتممَ أنشودَتي المبلسمة بنكهةِ السَّنابل، قصيدتي تحتاجُ قرونًا من الزَّمانِ ولا أظنُّني سأعيشُ قرونًا، الموتُ صديقي الملتحم في شهيقي ليلَ نهار، لا يقلقُني الموتُ ولا يخيفُني الموتُ، ولا يهزُّ شعرةً من فروةِ الرُّوحِ، وحدَها قصيدتي تقلقني؛ لأنَّني أشعرُ بتقصيرٍ غريبٍ تجاهَ هفهفاتِ أغصانِها المتلاطمة مثلَ حنينِ روحي إلى سماءِ ديرك!
اليوم، اليوم تأكّدْتُ أنَّني إنسان غير عادي، غير عادي على الإطلاق؛ ومتى كنتُ عاديًّا؟! ربّما لا عاديَّتي هي الَّتي قادتني إلى مرافئِ القلمِ، إلى هذه العزلةِ اللَّذيذةِ المميتة، عزلةٌ محفوفةٌ بالشِّعرِ ولوحاتِ العشقِ والقصِّ والسَّردِ وشهقاتِ الحنينِ إلى أزقَّتي المتغلغلةِ في بسمةِ الحلمِ، غالبًا ما أنهضُ من نومي وأنا في عراكٍ معَ نفسي، أعاتبُ نفسي، أشرشحُ نفسي، لكنِّي سرعان ما أعودُ إلى قلمي وأنسى الشَّرشحاتِ والمنغِّصاتِ كلها، الَّتي تُحيقُ بي، تزلزلُني أحلامي، وتتراقصُ التَّساؤلاتُ فوقَ خيوطِ الصَّباحِ، كيفَ لا أخصِّصُ مساحةً لألعابِ الطُّفولةِ، لديركَ حيثُ حبقُ الأهلِ يملأُ أجواءَ المكانِ، كيفَ اعتكفْتُ سنينَ بعيدًا عن سلالِ العنبِ، بعيدًا عن قبرِ أمِّي، عن قامةِ مريم القسّ كبرو، الشَّامخة مثلَ نعمةِ السَّنابلِ؟! مريم القسّ قصيدةُ فرحٍ متناثرة فوقَ نضارةِ ديرك، صديقةُ المروجِ وأكوامِ الحنطة، زهرةٌ معبّقةٌ بحفيفِ الموجِ، يندلقُ من أغصانِها العسلُ البرّي، أنجبَتْ أزاهيرَ معفّرة بنسيمِ الصَّباح، آشور، صوت الرِّيح الآتي من أعالي الجِبال، كَارو عنفوانٌ محفوفٌ بجموحِ البحرِ، صليبا غربةٌ مكتنزةٌ بالحنينِ إلى ربوعِ ديرك، صاموئيل بسمةُ عناقٍ منبعثٍ من طراوةِ السَّنابل، أسامة؛ حفيدٌ توشَّحَ حفلُ زفافِهِ برقصٍ مفتوحٍ على بساتينِ الجنّةِ، عودوا إلى حفلةِ الزَّفافِ، ستجدونَ عصفورًا متطايرًا من أسوارِ السَّماءِ، يرقصُ على إيقاعِ نكهةِ التِّينِ، فجأةً أجدُني أمامَ غابةٍ من الفرحِ، تتماوجُ روحُها كأنّها موشور مطرٍ تناثرَ فوقَ وجنةِ القصيدةِ، ترقصُ مقلِّدةً تماوجات فرحي، تدخلُ البهجةَ إلى قلوبِ الأحبّة، قهقهاتٌ ملأتْ قلوبَ الإخوةِ والأخواتِ والأحفادِ، ما كنتُ إلى حينها أعلمُ أنَّ هذه المتمايلة مثلَ موجاتِ البحرِ منبعثةٌ من شهقةِ فرحٍ من أفراحِ الرَّاحلة مريم القسّ، شاهدْتُ صخبَ الفرحِ والضّحكِ وتوازناتِ شوقِ القصيدةِ ينضحُ من ينابيعِ الأفراحِ، عندما أفرحُ أبحثُ عن خيوطِ القصيدةِ، لم أكتبُ قصيدةً في حياتي تضاهي عذوبةَ تجلِّياتِ الرّقصِ، وعلى يميني صاموئيل أبلحد أبو أسامة تتلألأُ بسمته وضحكته تتجلجلُ معَ ضحكةِ آشور فيشكِّلان دائرة منعشة حولي، وحولَ وردةٍ منبعثةٍ من شموخِ جبالِ بهجةِ الحياةِ، يسطعُ أمامي أصدقاءُ الطُّفولةِ والشّبابِ والحصادِ.
اليوم وبعدَ غربةٍ فسيحةٍ، تأكَّدْتُ أنَّني لا أختلفُ عن نسمةٍ تائهةٍ في وجهِ الرِّيحِ، أنا قصيدةُ حنينٍ متراقصة فوقَ بحيراتِ أستوكهولم، وجعٌ عميقُ الغورِ، حرفٌ منقوشٌ فوقَ خدودِ نجمةٍ، سنبلةٌ مضمَّخةٌ بلهيبِ الشَّوقِ، منذُ فترةٍ وجيزةٍ كتبْتُ قصةً عن “حيصة” وسلالِ العنبِ، وحيصة هي دابّتُنا الَّتي كانت تحملُ سلالَ العنبِ في صباحاتِ تمُّوز الباكرة، قصّةٌ طريفةٌ تفرشُ عوالمَ طفولتي، تهفو إلى صفحاتِ ربوعِ الكونِ، إلى صحيفةٍ من لونِ نسائم جبل جودي.
يرتسم شارع المشوار أمامي الآن، أكادُ أتلمّسُ أحجارَهُ وأشجارَهُ العطشى ..
مرحبًا أبو الكَار.
“أهلين وسهلين بالشَّباب”، يجيبُ كَارو، هذا الوجه المكحّل بعنفوانٍ غير معهود، نشقُّ الطَّريقَ فرحًا، لا نحملُ همًّا سوى همومِ المقرَّراتِ السَّميكة، ما هذه الفجيعة الَّتي فجعْتُ بها نفسي، أعيدُ اِمتحانات الثَّانوية وأخوضُ اِمتحانات جامعيّة لها أوَّل وليسَ لها آخر؟! أنا الَّذي يهوى عبورَ براري الفرحِ والرَّقصِ والغناءِ والموسيقى والعشقِ التَّائهِ بينَ أرخبيلاتِ اللَّيلِ، متى سأعيدُ مقرَّرات علمِ النَّفسِ وعلمِ الاِجتماعِ والبحوثَ الاِجتماعيّة؟! مقرَّراتٌ تكسرُ الظَّهرَ وأنا كنتُ وما أزالُ نحيلَ الظَّهرِ؛ بنيةٌ لا تصلحُ إلَّا للقلمِ، ومعَ هذا كنتُ أثبّتُ أقدامي الصَّغيرة تحتَ سلالِ العنبِ وأنا صغير، لو علمَتْ منظَّمات حقوقِ الطّفلِ في أوروبا أنَّني كنتُ أرزحَ رغم نحافتي تحتَ سلالِ العنبِ، لاشتكَتْ على والدي؛ لأنّه كان يزجُّني في معمعاناتِ قطْفِ عنب “البحدو والدّار كفنار والمسبّق والبلبزيكي والزَّينبي والمظرونة وبيض الحمامِ”، لكنْ لا أظنُّ أنّهُ كانَ سيقفُ مكتوفَ الأيدي أمامَ منظَّماتِ حقوقِ الطّفلِ؛ فمِنَ المؤكَّدِ أنّهُ كانَ سيرفعُ “كوباله”، دفاعًا عن الفلاحةِ وجني عناقيد العنبِ وباقاتِ الحنطةِ، ثمَّ أنَّ مبرِّراته كانتْ لا تحصى؛ ناهيكَ عن أنّهُ شدّدَ قبضَتَهُ على فدّانِ الفلاحةِ وهوَ في الثّالثةِ عشرة من عمرِهِ، فكيفَ ستقنعُهُ هيئاتُ الكونِ على تغييرِ رأيهِ في عالمِ الحصادِ، وبراري الفرحِ حتَّى معَ ليونةِ الطُّفولةِ؟! تسطعُ قامةُ والدي أمامي، حضورٌ رائع لشروالِهِ، جمدانيه المثبّت بعقاله؛ قامةٌ قصيرة مشبّعة بكوميديا طازجة، ضحكةٌ تنسابُ بعدَ قفشةٍ من قفشاتِهِ، قويُّ النّكتةِ إلى حدِّ الضّياءِ؛ ضياءِ ظلالِ الرُّوحِ وسهولِ القلبِ، قلب ترعرعَ بينَ مرابعِ القمحِ، سألتُهُ مرّةً ومراتٍ: يا بابا، كفاكَ تمخرُ البراري تحرسُ حنطتنا وحنطةَ الْجِوار! ضحكَ قائلًا: يا ابني، إنّي أجدُ متعةً في حراسةِ الحنطةِ أكثر من متعتِكِ، وأنتَ تنسجُ خيوطَ القصائدِ، أستنشقُ الهواءَ النَّقيِّ، وأرخي جسدي فوقَ الحشيشِ مستسلمًا للنومِ في أعماقِ البراري، قلْتُ له: أخشى أن لا تعودَ لنا يومًا وتبقى راقدًا تحتَ ضياءِ الشَّمسِ على نداوةِ العشبِ! ضحكَ مازحًا: هذه أمنيتي، عجباً أن تكونَ أمنيةُ شيخٍ عجوزٍ تجاوزَ العقدَ الثَّامنَ من العمرِ، وهو يشتهي أن يغفو إغفاءةً مفتوحةً في جوفِ البراري، يستقبلُ الموتَ بطريقةٍ فكاهيّةٍ طرفةٍ! كم مرّة وجدْتُهُ يلولحُ كوبالَهُ فوقَ رأسِهِ، ويحرِّكُهُ يمينًا ويسارًا، ثمَّ يقولُ: ألَا تراهُ؟! فأقولُ: لا، لا أرى أحدًا. بكلِّ دعابةٍ يقولُ: ألّا ترى الملاكَ قد جاءَ كي يأخذَ روحي؟ لكنِّي أقاومُهُ بكوبالي قائلًا لهُ: الآن ليسَ وقتي، خذْ روح غيري إلى أنْ أزَوِّج ابني، ثمَّ يتابعُ مداعبتي بنوعٍ من الجدِّ والفكاهةِ: يا ابني إلى متى سأقاومُ الملاكَ لو طالَ بي اِنتظارُ زواجِكَ؟! فأضحكُ: ما علاقةُ زواجي بموضوعِ الملاكِ؟! يتابعُ مؤكِّدًا لي أنَّ زواجي يحقِّقُ لهُ فرحًا ما بعدَهُ فرحٌ، حتّى ولو تلتهُ مباشرةً حشرجاتُ الموتِ.
 شخصيّةٌ فريدة من نوعِها، موتُهُ لا يعني شيئًا لهُ مقابلَ أن يراني زوجًا على تخومِ الحصادِ؛ حصادِ الفرحِ وحصادِ بهجةِ الاِنتعاشِ، صورٌ لا تنسى تتلألأُ في بيادرِ الرُّوحِ، تواصلٌ عميقٌ بيني وبينَ والدي، بيني وبينَ أمّي، بيني وبين أرصفةِ ديرك، بيني وبينَ الرَّاحلة مريم القس، ومريم ابنة أختي ومريومة، مريومة المريوماتِ!
لا أتخيَّلُ ديرك بدونِ كرومِها، لا أتخيَّلُ نفسي بدونِ تلكَ الدَّوالي، مدنيةٌ حنونةٌ تقتحمُ بساتينَ الرُّوحِ، تقتلعُ أفراحي، ذاكرتي المخضَّبة بالرَّبيعِ، أغصانُ الدَّاليات تتدلَّى في رحابِ العناقِ، حلمي مفهرسٌ بسلالِ العنبِ، خلسةً كنتُ أعبرُ في كرمِ بطرسِ القسِّ ألتقطُ تينةً ناضجةً بعيدًا عن أنظارِ أمّي، وبعيدًا عن كوبالِ والدي، كانَ سيفرمُ شحمةَ أذني لو رآني، آكلُها بلذَّةٍ عميقةٍ، نكهةٌ ولا أحلى، حتّى الآنَ ما أزال أشتهي التِّينَ، وكأنّني لم أرَ تينًا في حياتي!
يستحضرُني الآن كيفَ كان زملائي حنّا كوري، وريمون لحدو، وبقيّة الشلَّة، يراقبونَ والدي ويدخلون كرمَنا، يقطفون عناقيدَ العنبِ، فيستيقظُ والدي على خشخشاتِهم فينهضُ، ثمَّ يرفعُ كوباله، ويسدِّدُ أحجارَهُ نحوهم، فيهربونَ ويركضُ خلفهم إلى تخومِ الْجِبال، إلى أنْ أوصلَهم أكثرَ من مرَّةٍ إلى “كاني كركي وحكميّة”، تاركًا الكرمَ لانقضاضِ مراهقين آخرين! شيخٌ في السَّبعينَ من العمرِ، يركضُ خلف مراهقين في باكورةِ العمرِ، وهم كانوا يرتعشونَ خوفًا من كوبالِهِ وشروالِهِ المرفرفِ على أجنحةِ الرِّيحِ، يسردونَ لي معركتهم معَ والدي في اليومِ التَّالي في حصّةِ الرِّياضياتِ، أو الإنكليزي، أضحكُ ويضحكُ ريمون قائلًا: يا شيخ، كلّ حجرة كانَ يسدِّدُها والدكَ نحوَنا، كانَت تقطعُ قصباتنا، فكنَّا نركضُ بخوفٍ غريبٍ، ومعَ هذا كنَّا نتلصَّصُ بعدَ أيَّامٍ لنقتحمَ عرينَ الدَّوالي، فكانَ ينهضُ من تحتِ داليةٍ مفروشةٍ، ثمَّ نبدأُ بعبورِ البراري، مشهدٌ يصلحُ لعملٍ دراميٍّ، تتخلَّلُهُ طرافةٌ موغلةٌ في كوميديا الحياةِ، هل كانَ حنا كوري يتذكَّرُ هذا العبور في البراري، فيما كانَ يدرسُ في موسكو تفاصيل مقرَّراتِ الطِّبِّ، أمْ أنّهُ كانَ غائصًا في معالمِ العشقِ، ورحابِ العناقِ؟!
ذكرياتٌ لها علاقة بوهجِ الرّوحِ في أقصى تجلِّياتِ العناقِ! عناقِ الأحبَةِ، الَّذين رحلوا والَّذين سيرحلونَ تباعًا، وحدَها الكلمة تظلُّ شامخةً فوقَ وجنةِ الزَّمنِ!
أحبّائي، لكم أقدّمُ توهّجات غربتي، أقدِّم حنينَ الرُّوحِ، أقدِّمُ جمرةَ الشَّوقِ إلى أبهى ما في خميلةِ القصائدِ وبهاءِ القصص.
ديرك صديقةٌ ترفرفُ فوقَ وهجِ الرُّوحِ، مثلَ نكهةِ النَّارنجِ!
kitty core gangbang LetMeJerk tracer 3d porn jessica collins hot LetMeJerk katie cummings joi simply mindy walkthrough LetMeJerk german streets porn pornvideoshub LetMeJerk backroom casting couch lilly deutsche granny sau LetMeJerk latex lucy anal yudi pineda nackt LetMeJerk xshare con nicki minaj hentai LetMeJerk android 21 r34 hentaihaen LetMeJerk emily ratajkowski sex scene milapro1 LetMeJerk emy coligado nude isabella stuffer31 LetMeJerk widowmaker cosplay porn uncharted elena porn LetMeJerk sadkitcat nudes gay torrent ru LetMeJerk titless teen arlena afrodita LetMeJerk kether donohue nude sissy incest LetMeJerk jiggly girls league of legends leeanna vamp nude LetMeJerk fire emblem lucina nackt jessica nigri ass LetMeJerk sasha grey biqle