حكايةُ زينبَ

مروان خورشيد_

---

“إلى زينبَ المرأةِ التي تشبه عفريننا”

زينب آخر زيتونة

نزحت عن أرضها

 فسكنت جهات الحزن

في المدينة المجاورة

تقولُ:

تمهلْ في الحكاية

وأنتَ تسردها

خذ يديّ

لتقبض على الدهشة فيها

ودعها على الأرض

تسند شخوصها

ثم اذهب بهم

مسلحين بحزنهم

مطوقين بنارٍ

كنا نوقدها ليلة العيد

فعُدْ بهم

من مقابرهم في الحكاية

يصلون صلاتهم الأخيرة

ويرتدون رقصتهم بحضور الآلهة.

يا زينب

اتركي عنكِ الريح

تسترحْ من هبّتها العاصفة

واسكني جهتي

بغيرك حكايتي ضائعة

في القراءة المستعجلة.

يا زينب

يا زيتونة تحت ظلّها

رمتْ أمي غناءها

مثقلاً بأنين القرى

غطتْ رحيل أبي بغطاء رأسها

وراحتْ تكدس حزنها يا زينب

تلملمُ الغيابَ

الذي وقع على صدرها

كما لو حضور مباغت

لوجعٍ غريبٍ

حطّ من بعيدٍ

على ما تبقى من عمرها…

يا زينب

اتركي نزوحكِ قليلاً

يأخذ حصته من يأسنا

الذي في الخيام تراكم

وتعالي نذهبْ لقرانا

نتفقدْ أحوالَ الشجر

والحجر والبشر فيها

نقرأ على ليلِ جبالها

وصايا الجغرافيا

ونستمع من نهارات سهولها

دروس التاريخ المتكررة

نطبطب على جروحها

ونرشُّ على الكرومِ أملاً

يعيد الحكاية من أولها…

يا زينب

تعالي نأخذْ خضرتكِ الكاملة

ونلقيها في وجه قرانا اليابسة

فأنتِ اليوم

مصدر الخضرة

ومركز زرقتنا الواسعة

ومن عينيكِ

ما زال يستمر تركيبنا الضوئي

ومنهما تسيل

نتائج المعادلة المتوازنة

فأنتِ اليوم يا زينب

غدنا الذي يركضُ فيه خلاصنا

أنتِ اليوم

فرصتنا المتبقية.

أتذكرين يا زينب

حديثكِ في حلمنا الأخير

حين قلتِ لأجسادنا المكلومة

في خيام نزوحنا:

كفاكِ الركض كالقطعان

خلف زيف البيانات

والخطابات الفارغة

قلتِ:

كفى لهذه الخيام

في مهب العراء

تحطّ وتطير كما أوراق متناثرة

قلتِ يا زينب في حلمنا الأخير

تدوس أسماءَنا

أسماءٌ تأتي بعدنا 

ويلعن عجزها

زمانٌ يدور

على ساعات أشجارنا المتوقفة…

قلتِ يا زينب:

أسماؤنا ما تزال متمترسة

خلف صور القائد

وخلف شعارات الأحزاب الخائنة

وقلتِ يا زينب:

البداية متوقفة

على تهشيم نجومهم المطفأة

وقلتِ:

لمَنْ غيرها أشجارنا.

وقلت:

أسكن جهات النزوح

أعلو على جراح تهدني

كلما أوغل ليل الحنين إليها؟

وقلتِ: مَنْ غيرُكَ

سكن حلمي الأخير؟

ولمَنْ غيركَ أضيءُ

 بأقماري كلها

فاتركها تنامُ في حزنكَ لموتي

اتركها تعيدُ تركيب الضوء

اتركها تسرحْ

على مدارات عشق

كلانا فيها نسكرُ

فنصحو أخضرين

ثم نغيب في الحكاية

حكاية زينب النازحة

نعيد سردها

قابضين على الدهشةِ فيها

تاركين على الأرضِ

تركضُ شخوصها

مسلحة بخاتمة في أحزانها

مطوقة بنارٍ ما تزال

طوال نهار العيد مشتعلة.