حضارة وادي الفرات؛ متحف زاخر بالكنوز الأثريّة

إعداد/ آزاد الكردي –

روناهي/ منبج: تتأكد الحقائق التاريخية يوماً بعد يوم على عظمة حضارة وادي الفرات الذي يزخر بالعديد من الآثار التي تجمع جمال الطبيعة وسحر انسياب الماء في أقدم المواقع السكنية التي اتخذها الإنسان في العصر الحجري الحديث؛ كـ” تل حالولة”.

ويقع تل حالولة بالقرب من سد تشرين حول محمية من الأشجار على الطريق الواقع بين مدينة منبج ومنطقة أبو قلقل الواقعة في الريف الشرقي. وكما جرت دراسات أثرية لتؤكد أن موقع تل حالولة أحد أقدم مواقع السكن في وادي الفرات والذي يعود إلى حوالي (الألف التاسع قبل الميلاد). ونتيجة لهذه الاكتشافات الهامة، فقد توجّهت أنظار الباحثين إلى أهمية هذه المنطقة التاريخية، مما زاد من عمليات الكشف عن المواقع الزراعية الأولى في سوريا، وفي حوض نهر الفرات الأوسط بالتحديد، حيث اكتشفت البعثة الأثرية الإسبانية أقدم سنبلة قمح مزروعة من قبل الإنسان الأول في العالم، كما أن الأبحاث الأثرية تدل على أن سوريا هي موطن الزراعة الأول الذي انطلقت منه إلى كل العالم.

الكشوفات الأثريّة

استطاع الباحثون أثناء التنقيب العثور على مخلفات أثرية كثير تدل على تحول الإنسان وانتقاله من صيد الثيران والخنازير وجمع الثمار والتقاطها إلى الزراعة المنظّمة وتدجين الحيوانات؛ كالكلاب في البداية ثم الأغنام والأبقار والماعز والخنازير. وبشكلٍ عام، فإن موقع حالولة، يعد النموذج الأكمل لدراسة وفهم نشوء الزراعة والرعي في العالم، كما يكتسب هذا الموقع أهمية خاصة لما قدمه من معطيات حول التركيب الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في ذلك العصر، ولا سيما المواقع الزراعية الأولى في سوريا، وفي حوض نهر الفرات الأوسط.

وشرّع الإنسان في عملية بناء المنازل من أجل توفير حياة أفضل له، إذ بنى في تلك الفترة غرف البيوت بطريقة منتظمة وقام بالأعمال المنزلية في غرفة الطبخ، وتضمن المطبخ أماكن للطبخ وتخزين المواد الغذائية والمحاصيل. كما ظهرت أيضاً في الموقع؛ دلائل جديدة حول المنتوجات الزراعية في فترة الاستقرار التي عاشها الإنسان في موقع حالولة، ولم يكتف بزراعة القمح فقط، وإنما أيضاً زرع العدس والشعير والكتان، كما دجن الحيوانات كالأغنام والأبقار والماعز والخنازير.

المقابر في تل حالولة

عاش الإنسان في موقع حالولة بصورة اجتماعية، إذ استطاع أن يتواصل مع المناطق المحيطة به، ويتبادل السلع بالمقايضة مع أبناء الثقافات الأخرى، كما قدّم هذا الموقع الكثير من المفاهيم المتعلقة بالشعائر الدينية، فبعد اكتشاف ما يقارب 120 مقبرة، جاءت المعلومات، تؤكد أن الدفن فيها كان يلقى احتراماً كبيراً، حيث أبقى الإنسان فيها موتاه في منازلهم، وقام بدفنهم فيه بجانب أحد الجدران وبشكل أفقي، وهذا يدل على الحفاظ عليهم ليبقوا على تواصل مع أحاسيسهم، إن صح التعبير. كما كانوا يقومون بدفن المواد التي كان يستخدمها المتوفى من حلي أو أسلحة أو أواني ومواد ثمينة؛ كالنحاس والزمرد والمواد الأخرى في اعتقادٍ منهم أنه سيستخدمها في العالم الآخر، وبيَّنت المعطيات التاريخية أن هذه المواد الثمينة ليست من نتاج المنطقة نفسها، وإنما كانت مجلوبة من مناطق بعيدة (يُرجح أن تكون من مناطق شمال طوروس). كما كشفت البنى المعمارية في موقع حالولة وجود سور يحيط بالموقع، ومن الممكن قد تم إنشاؤه من أجل درء خطر فيضان نهر الفرات القريب، بالإضافة إلى أن أرضيات وجدران المنازل كانت مطلية بالكلس.

الجدير ذكره، أن موقع تل حالولة عرف زراعة أول سنبلة قمح في العالم، كما كان أيضاً أول قرية تتحرر من سيطرة مرتزقة داعش بعد أن أطلقت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” حملتها العسكرية من منبج في صيف حزيران عام 2016م.