ثقافة العصر النطوفي

محمد عزو_

الثقافة “النطوفية” هي آخر مراحل العصر الحجري القديم، والنطوفيون ظهروا في بلاد “الشام” تحديداً في العصر الحديث الوسيط ما بين/10000- 8000/ سنة قبل الميلاد، والتسمية نسبة إلى وادي “النطوف” الواقع  شمال غربي مدينة “القدس”، وأول من ذكر هذه الثقافة الباحثة الإنجليزية “دوروثي غارود” في عام /1929/م، حيث أنها اكتشفت الآثار النطوفية المميزة لثقافة العصر النطوفي في مغارة “شقبا” الواقعة في وادي “النطوف”، الذي ورد ذكره في سياق الحديث، وهي تعدّ الخطوة الأولى للإنسان على طريق أول مجتمعات زراعية في التاريخ، وفترة هذه الثقافة عصر حجري قديم انتقالي في الشرق الأدنى.

 كان الإنسان في هذه الفترة يسكن الملاجئ الطبيعية، وهي المغاور والكهوف، وتعدّ من السمات المميزة لحضارة العصر الحجري القديم، وهذه الكهوف لها مزايا مناخية فقد كانت تقي الإنسان من البرودة الشديدة ومن الوحوش الكاسرة، لكن مثل هذا الأمر لا ينفي وجود منازل للإنسان فوق الأرض في الخلاء آنذاك، لكن علماء الآثار قد أهملوا هذا الجانب لأنه ليس من السهولة بمكان العثور على بقايا مثل تلك المنازل، ولا شك أن دقة التنقيب الأثري المتناهي في الحذاقة لتقصي الحقائق عن بقايا هذه البيوت، يقود إلى الكشف عن نظام تلك المنازل، وكان المسكن في تلك الفترة الموغلة في القدم مكون من “السيباط” المشيد من جذوع النباتات، وأغصانها، حيث أن هذا النوع من المساكن لا تترك ألا بصمات متواضعة.

كانت هي الدليل المادي الأوحد على وجود مثل تلك البيوت… الحديث عن الخروج من الكهف كان المقصود منه هو الهجرة المتلاحقة منه، إذ أن الطقس كان السبب الحازم في أسباب ذلك النزوح، وحسب التحاليل المخبرية ونتائج تحليل غبار الطلع في بحيرة “زيربار” في جبال “زاغروس” ومنحدرات جبال “كردستان” يفيد بأن حرارة الجو بدأت تدب في طقس “بلاد المشرق” و”بلاد الشام” في أواخر حقبة “البليستوسين”، أي بين/14000 و11000/ سنة قبل الميلاد، حيث رافق ذلك أن البوادي الباردة، التي كانت تغطيها أشجار “الأرنيميسيا”(شجيرات الشيح) ، تحولت تدريجيا إلى كهوف تنمو فيها الأعشاب، وتغطي مداخلها أشجار “الفستق” و”البلوط” وهذا دليل على قيام مناخ حار ورطب، وفي هذا الزمن بالذات لاحظ الإنسان خروج الحبوب البرية من ملاجئها الطبيعية، التي كانت تحميها من البرد القارس طيلة الحقب الباردة، وبذلك بدأت تنتشر في الأطراف الجبلية لبلاد “الشام”.. من ناحية أخرى يمتد تعاقب الطبقات الأثرية للعصر الحجري القديم في كهف “شانيدار” (موقع أثري قديم يقع في جبال كرد ستان) حتى/8500/ سنة قبل الميلاد، ومن الجدير في الذكر القول: إلى أن مواقع العصر الحجري القديم كافة، المكتشفة حتى الآن في شمال “العراق” و”إيران” وفي محيط بحر “قزوين”، هي كهوف وملاجئ.