تعالوا إلى كلمة سواء

رجائي فايد –

منذ أن حصرت اهتماماتي في المشهد الكردي تاركاً كل الاهتمامات الأخرى، بكل ما يحمله هذا المشهد من تجليات وانكسارات، حيث تبين لي مدى حجم الانكسارات على طول تاريخ هذا المشهد مقترنة بندرة التجليات، والتي كانت وياللعجب يقدمها الكرد هدايا للآخرين بلا جزاء يستحقونه إلا كالجزاء الذى حصل عليه سنمار، وتبين لي أيضاً أن المتسبب في (بعض وربما كثير) من الانكسارات التي حاقت الكردية كانت بفعل من ينتمي إلى القومية الكردية، حيث كانت فوهة البندقية الكردية في كثير من الأحيان تصوب لشقيق كردي آخر بدلاً من أن تصوب إلى العدو، ولذلك فإن أفضل وأصدق وصف لهذه الحالة هو ما يحمله عنوان كتاب (أمة في شقاق،  دروب كردستان كما سلكتها،  للكاتب جوناثان راندل)، فبدلاً من أن تطبق الحكمة التي تقول (أنا وأخويا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب)، انقلبت الحكمة عند هؤلاء لتصبح (أنا والغريب على ابن عمى وأنا وابن عمي على أخويا)، إذ أن كثيراً ما يحدث ذلك في الحالة الكردية، والتاريخ خير شاهد على ذلك، فمسألة التحزب، والبحث عن ساند لهذا التحزب دون النظر للآمال التي يعقدها المواطن على هؤلاء، والمواطن لديه حلم كردي يتشارك فيه مع الجميع، (نحن من أكبر قوميات المنطقة، لسنا وافدين عليها، بل يثبت التاريخ أن هناك علاقة جدلية بيننا وبين المكان بحيث أصبح المكان جزءاً منا ونحن جزء منه، والتاريخ شاهد على إسهاماتنا في كل بلدان الشرق الأوسط، فلماذا لم يصبح لنا دولة ككل دول المنطقة؟)، وهو سؤال مشروع ومتفق عليه من جميع الكرد، وفي مجال البحث عن إجابة لهذا السؤال المهم، أسوق تلك الحكاية من التراث،  تقول الحكاية (دعى أكثم بن الصيفي التميمي أولاده حين شعر بدنو أجله واقتراب موته، ثم قدم لهم حزمة من العصي وطلب من كل واحد منهم كسرها إلى قطع صغيرة متفرقة، فلم يستطيع أيا منهم مهما كانت قوته أن يكسر الحزمة وهي مجتمعة،   فأخذ الأب الحزمة وفرقها من بعضها ثم قدمها لأبنائه، وقدمها إليهم ليكسروها مرة ثانية وهي متفرقة، فاستسهلوا كسرها،   واستطاع كل منهم أن يكسرها دون أي جهد.

فقال لهم: يا أبنائي إن في الاتحاد قوة، وإن اجتماعكم معًا يعجّز كل من عاداكم عن كسركم كما عجزتم أنتم عن كسر هذه السهام مجتمعة، فالانقسام ضعف والاختلاف هلاك، ولعل ضِعافًا أتحدوا أفضل من أقوياء تفرقوا، فالواحد منكم ضعيفٌ بمفرده قويٌ بأخيه، والتراث الإنساني مليء بحكم تدعو إلى الاتحاد الذى فيه قوة للجماعة، ويقول شاعرنا:

كونوا جميعاّ يا بني إذا اعترى …خطب ولا تتفرقوا آحادا

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً…وإذا افترقن تكسرت أفرادا

كلماتي تلك هي مجرد تحصيل حاصل، لأنها معلومة للجميع، ولأني تربطن علاقة حب بكل الأطراف وتقاسمت معهم جميعا كما نقول في مصر(العيش والملح)وهو حق علينا لابد أن نوفيه، ولأني رصدت إرهاصات توترات كردية لاتحمد عقباها، لذلك كان من الواجب علىّ أن أذكر (فالذكرى تنفع المؤمنين)، وبحق (العيش والملح)، وبالآمال المعقودة عليكم، أناشد أخوتي ساسة الكرد، وكلهم أعزاء على قلبي (تعالوا إلى كلمة سواء).