سراج حسن-
إن الرسوم المتحركة هي مجموعة من الفنون اجتمعت في فن واحد، الكتابة والسيناريو والرسم والتقنيات الرقمية والموسيقى والغناء، جميعها تجتمع لتعطينا هذه الدقائق الممتعة، وتكتمل قيمة وجمالية العمل إذا اجتمعت المتعة والفائدة معاً للطفل.
لقد أدرك بعض العباقرة والمهتمين بتعليم وتنمية قدرات الأطفال أهمية هذا الفن، ووضعوا إمكانات مادية وطاقات إبداعية هائلة لخدمة وإيصال تلك المسلسلات إلى الغاية التي يستفيد منها الطفل.
مثال على ذلك عندما لاحظ المعنيون بشؤون المدارس والتربية والتعليم في السويد أن التلاميذ كانوا يكرهون درس الجغرافيا، وكانوا يُدَرِّسونهم جغرافية بلدهم، السويد، وأن إقبال التلاميذ على فهم هذه المادة المهمة لبلدهم ضعيفة. ومن خلال بحثهم لهذه الظاهرة وجدوا أن كتاب الجغرافيا المقرر للتلاميذ ممل وكئيب ومملوء بالمعلومات التي لا تجذب التلاميذ. ففكروا بأن يوكلوا هذه المهمة للمعلمة الكاتبة سلمى لاغرلوف بأن تضع كتاب جغرافيا بمستوى وبطريقة تجذب التلاميذ لدراسة جغرافية بلدهم.
فوافقت الكاتبة على هذا التحدي، لقد كُلِفت بالمهمة سنة 1900 وأخذت هذه المهمة منها ست سنوات، فكرة ودراسة وسفر في طول البلاد وعرضها لتنتهي من المهمة بصدور كتابها لجغرافية السويد بعنوان نيلز هولكرسونس ورحلته الرائعة عبر السويد.
كان ذلك في سنة 1906 فقرأ الكتاب الكبار قبل الصغار، ونجح في جذب التلاميذ إلى درس الجغرافيا، تُرجم الكتاب إلى 12 لغة، وصار فيلماً كارتونياً ذا عِبرة ومعنى رائعين.
والأروع أن تكريم هذه الكاتبة مِن قِبَل بلدها كان أروع، بأن وضعت صورتها على إحدى العملات الورقية لبلدها! وصورة نيلز بطل القصة والوزة مورتن على الوجه الثاني للعملة.
الوزة مورتن وقائدها أكسا قائد السرب الذي أسدى النصيحة الأخيرة للبشرية، عبر نيلز عندما دعا الإنسان إلى الرأفة بالحيوان في كلمات بسيطة ومختزلة وجميلة.
نيلز.. عدني شيئاً واحداً
تذكر أن الإنسان وحده
لا يملك السماء والجبال والبحار
إنها ملك لكل المخلوقات الحية
لا تنسَ ذلك يا عزيزي…
لو استعرضنا المسلسلات والأفلام والمجلات في تلك الحقبة لما كفتنا مجلدات للحديث عنها، فعالم الرسوم المتحركة وأدب الأطفال في تلك الحقبة محيط زاخر وواسع.
أما الآن في زمن التكنولوجيا المتقدمة أكثر من تلك الفترة، يشعر المرء أحياناً أن الأمر خرج عن السيطرة كي يستطيع أن يوجه الأطفال إلى ما يشاهدونه.
فآلاف الصور والأفلام أصبحت في متناول أيديهم، والحصول على مشاهدة أي واحدة منها لا يتطلب سوى ضغطة زر على جهاز التحكم أو الهاتف. فثمة عشرات المحطات التي تبث على الديجتال وتنشر على قنوات اليوتيوب وصفحات الفيسبوك وغيرها.
أغلب هذه الشركات لا يهمها سوى الربح فقط، من الصعب جداً إيجاد بين خردة هذه الأيام مسلسلاً أو عملاً جيداً موجهاً للأطفال إلا ما ندر، لأن السؤال الذي يتبادر إلى ذهن منتجي هذه الأفلام كم سنربح من هذا الفيلم؟ ولم يضعوا السؤال الأهم في أولوياتهم أو اهتمامهم، وهو ما الذي سيستفيده الطفل من هذا الفيلم؟ ولنأخذ بعض أفلام شركة ديزني مثالاً. من مسلسلاتها سوبرمان وباتمان وسبايدرمان وغيرها من الأعمال.
لاحظ معي عزيزي القارئ أن أغلب الحلقات في تلك المسلسلات تتمركز الفكرة فيها حول أن الأرض تتعرض لهجوم، أو أن الكون مهدد بالفناء أو الدمار على يد أشرار خارقين ثم يأتي سوبرمان أو سبايدرمان، وبعد العشرات من مشاهد القتل والعنف والدمار ينتصر البطل، الذي دائماً يحمل خلفه علماً أو رمزاً أمريكياً وتُنقذ البشرية على يده.
ألا تلاحظون أن الفكرة مدروسة بعناية في هذه المسلسلات، وهي إيصال فكرة أن الإنسان الأمريكي هو السوبرمان الخارق المتفوق جسدياً وعقلياً، ذلك الإنسان المتفوق الذي تحدث عنه نيتشه، وينقذ البشرية دائماً، هذه المسلسلات لا تحمل أي فكرة أو تنمية لمدارك الطفل ولا توجه سلوكهم لحب الغير، بل على العكس تماماً، فهي تنمي فيهم حب العنف والقتال والتدمير والانبهار بالبطل الخارق المدمر.
على عكس الطفل الذي كان ينبهر ويقتدي بالبطل الهادئ العاطفي المسالم المحب للخير والتعاون.
هذه عينة من تلك المسلسلات الحديثة، مع الأسف أغلب ما يُوجه الطفل اليوم هو تلك المسلسلات الهابطة، بالإضافة إلى ألعاب البوبجي وغيرها، التي تحاكي حواس الطفل وتستطيع أن تجعله يتقمص شخصية قتالية يمر بالحروب ويقتل ويدمر بانتقام وتشفِّي، بسبب التقنية العالية والبرامج المتطورة وصنع أرض وأجواء معارك حقيقية تجعل من الأطفال والمراهقين مندمجين مع اللعبة، بل يصبحون جزءاً من تلك اللعبة، لأنهم يتحكمون بالجندي أو الآلة التي يحركونها.
ما الفائدة التي يجنيها الطفل من هذه اللعبة؟