النساء العاملات في حقول الزراعة… تعب ونجاح

تل كوجر/ مثنى المحمود ـ

يُشكل عمل النساء في الزراعة بمناطق شمال وشرق سوريا، حالة مُتفرّدة من التناقضات بين العاملات بهدف المعيشة وأهداف أخرى.

تعمل نساء كثيرة في المحاصيل الزراعية كالقطن والعدس والفول والكمون، منذ سنوات، لكن ازدادت أعداد النساء العاملات في الحقول والبساتين التي تزرع فيها جميع النباتات والخضراوات، كما هو الحال في أرياف منبج وكوباني والرقة والحسكة وغيرها من المناطق الريفية، تختلف الأسباب والمسوغات لكن يبقى التشابه في أنواع العمل هو العامل الوحيد المشترك بين جميع النساء المنخرطات في أعمال الحقول الزراعية.

تأمين لقمة العيش

تحدثت بعض النساء اللواتي يعملن في أرياف تل كوجر، في تنظيف الحقول من الأعشاب الضارة: “هذا العمل بات الوسيلة الوحيدة لتأمين قوت يومنا، بعد اضطرارنا للعمل من أجل إعالة أسرنا”، تحصل هؤلاء النساء على أجرة تناهز ما يُقارب خمسة آلاف ليرة، تقسم على يوم عمل يساوي خمس ساعات.

وتقول مريم العلي إحدى النساء العاملات “أن النساء في مناطقنا كنَّ يعملنَ سابقاً في حقول وأراضي تعود ملكيتها لعائلاتهنّ فقط، لكن نتيجة تردي الواقع الاقتصادي أُرغِمت النساء على العمل في مزارع الآخرين لإعالة أسرهن، خاصةً أولئك الذين فقدوا أزواجهن أو معيلهن، وتضيف أن عدد النساء العاملات زاد بالفعل وهو ما أدى عملياً إلى انخفاض أجرتهن لا سيما وأن بعض الحقول لم تُزرع، وبالتالي زاد عدد العاملات مقارنةً مع الأراضي التي يمكنهن العمل فيها، ولهذا باتت أجرتهن منخفضة لعدم وجود طلبٍ على اليد العاملة”.

تجربة جديدة

وتقول الشابة حسنة السالم أن العمل في الزراعة هو فرصة لخوض تجربة جديدة، كما تضيف: “يمكنني من خلالها تأمين مصروف خاص بي، كوني لم أتمكن من إتمام تعليمي منذ المرحلة الإعدادية، وبالتالي ليس أمامي أي خيار سوى العمل في الزراعة كجني المحاصيل أو تنظيف المزروعات من الأعشاب الضارة”، وتعمل هذه الشابة حالياً، مع مجموعة نسائية في حقولٍ زراعية، تضيف حسنة أنها وغيرها من العاملات في الزراعة، لا يتوقفن عن العمل صيفاً وشتاءً، فالكثير من المزروعات في المنطقة تكون موسمية وبالتالي هناك حاجة للعاملات في كلِّ وقت، خاصةً عند قطاف القطن والفول، والعدس، والبصل، وأحياناً تنظيف المحاصيل مثل الكمون والكزبرة، وتحصل هذه الشابة على 500 ليرة سوريّة مقابل كل يوم عمل.

فرصة وحيدة

تقول المواطنة خاصة السهو: “العمل في مهنة الزراعة حالياً هو الفرصة الوحيدة بالنسبة لسكان منطقة ريف تل كوجر، لعدم وجود مشاريع صناعية وخدمية، ولذلك لم يعد أمامنا سوى العمل في الزراعة وهي مهنة لا تنحصر على النساء فقط، وإنما الرجال أيضاً”، وتضيف: “في الأصل تعد الزراعة في بلدة تل كوجر وأريافها مصدراً رئيسياً للدخل لعموم السكان، لكن بعد هجرة معظم الرجال والشبان من المنطقة لقلة ظروف العمل فيها، تحوّلت هذه المهنة لمصدر دخلٍ أساسي للنساء، ورغم ذلك لا يكاد العمل في الأرض وحده يؤمّن قوت يومنا، فأنا على سبيل المثال أعتمد إلى جانب عملي في الحقول على بعض الأموال التي يرسلها لنا شقيقي من عمله”، من طرفها قالت المواطنة خطر الهويدي: “العمل في الحقول الزراعية والمزارع يكاد يكون المهنة الوحيدة التي يقبلها المجتمع هنا في تل كوجر، خاصةً أن المنطقة ذات طابعٍ عشائري، ولهذا يبدو الإقبال عليها كبيراً مع انعدام فرص العمل في المجالات الأخرى”.

عوامل مؤثرة

ارتفعت نسبة النساء العاملات في قطاعات مختلفة، كان أبرزها القطاع الزراعي، نظراً لخصوصيته وعدم احتياجه لمستوى ثقافي معين أو أي شهادات دراسية وما شابه، حيث وأنه على خلفية فقدان مئات النسوة أزواجهن في الحرب الدائرة في البلاد، أو مغادرة ذويهن، هذا ما جعلهن مستقلاتٍ اقتصادياً دون وجود معيلٍ لأسرهنّ، وهنّ في المجمل يعملن في مهنٍ لا يرفضها المجتمع كعملهنّ في الحقول الزراعية والمزارع؛ وذلك لارتباط المرأة بالأرض وشغفها بالزراعة منذ الأزل، الجدير بالذكر أنه مع قدوم الإدارة الذاتية، ومساهمتها في دخول منظمات المجتمع المدني بكثافة إلى شمال وشرق سوريا بعد الحرب، ساهمت هذه المنظمات على منح النساء مشاريع صغيرة في مجالاتٍ متعددة بينها الزراعة، مما أدى إلى انخفاض معدل البطالة لدى النساء ومنحهن دفعة معنوية كبيرة زادت من قدرتهن على تحمّل أعباء الحياة، والدخول بشكلٍ جدي وملحوظ في جميع المجالات ولعل أبرزها مجال الزراعة.