كثيراً ما نتحدث عن أوضاع النساء في المجتمعات الشرقية، ونسلّط الضوء على المعاناة والصعوبات التي يتعرضن لها نتيجة البنية الاجتماعية الموجودة والعادات والتقاليد السائدة، والتي تزيد من معاناتهن وآلامهن يوماً بعد آخر، إلا أن تلك المعاناة والصعوبات والمعوقات التي تتعرض لها بشكل ممنهج في وقتنا الحالي ازدادت بشكل كبير، نتيجة الحروب التي تشهدها المنطقة وخاصةً في الدول العربية، كسوريا وفلسطين واليمن، حيث إن النزاعات والاشتباكات المتواصلة هناك بين الأطراف المتصارعة على السلطة، تركت أثراً غائراً في تلك المجتمعات وخاصة على النساء.
الفَقْر والجوع والعوز وتدني الأوضاع المعيشة، هي نتاج تلك الحروب والنزعات الأهلية، إضافةً إلى فقدان الأمن والأمان وتدهور التعليم وازدياد موجات الهجرة الجماعية والنزوح الداخلي والصِّدامات، فأكثر من نصف السكان في تلك المجتمعات هم اليوم في مخيمات النزوح وسط ظروف حياتية صعبة وقاسية، تفتقد لأبسط مقومات الحياة الرئيسية من الماء والخبز والأدوية والعديد من متطلبات النساء الأخرى التي هن بحاجة إليها أكثر من غيرهن.
نتائج كارثية على المجالات والأصعدة كافة، خلقت لدى النساء حياة ملؤها القهر والظلم والاستعباد، فبعد أن باتت المرأة وحيدة متخبطة أمام العديد من المسؤوليات التي تتجاوز حدود طاقاتها وإمكاناتها، وجدت نفسها محاطة بلفيف من المشاكل والقضايا التي لا تستطيع مواجهتها نتيجة الأوضاع الإنسانية الصعبة التي تعترض طريقها أينما ذهبت.
نعم أوضاع النساء في سوريا وفلسطين واليمن وأفغانستان والسودان وليبيا والعديد من الدول الإفريقية الأخرى، التي لا تكاد تنتهي صراعاتها أبداً، آخذة بالتدهور يوماً بعد آخر، فالمرأة هي المتضرر الأكبر إن لم تكن الوحيدة من هذه الصراعات. فهي من فقدت ذويها وأطفالها وديارها وكل شيء عزيز عليها في الحياة، نعم هي اليوم تعيش في ظروف حالكة صعبة وقاسية، ولا مجيب لدعواتها ومناشداتها المتواصلة لخلاصها وتحريرها من مآسي حروب، يخوضها الرجال على حساب حياة النساء والأطفال في شتى أصقاع العالم.
النساء في هذه البلدان يتعرضن اليوم لسوء المعاملة والاستغلال المعمد على يد تجار الحروب والأزمات، ولا سيما استغلال حاجتهن للطعام والمأوى والحماية، الأمر الذي يزيد ويفاقم معاناتهن أضعافاً مضاعفة، ولكن الأمرَّ من ذلك، هو أن تترك المرأة وحيدة تكابد مرارة حرب لا علاقة لها بها ولا نهاية لها في المدى المنظور.
إلا أن ما يخفف وطأة هذه الحروب ونتائجها الكارثية على النساء، هو تأمين حماية حقيقية لهن وتقديم الدعم المعنوي والمادي، الذي يضمن لهن حياة كريمة بعيداً عن كل الانتهاكات والممارسات وجرائم الحرب التي ترتكب بحقهن دون أي رادع من قبل الجهات والأطراف المعنية بقضايا المرأة وحقوقها، ذلك بالإضافة إلى توفير فرص العمل والوسائل الأساسية لتنمية طاقتهن وتهيئة بيئة مناسبة وآمنة وصحية لهن، واتخاذ تدابير من شأنها إيجاد الحلول المناسبة لمعضلتهن والحروب التي تعصف ببلادهن، وذلك من خلال مشاركة النساء مشاركة حقيقية فاعلة في نضال السلام ووضع الحلول للحروب، التي يصنعها الرجال أنفسهم، لأن النساء وحدهن القادرات على صنع سلام عادل وشامل ومستدام.
