المنطقة الآمنة وخيالات أنقرة

نور الدين عمر –

يحاول حكام أنقرة في سعيهم لاحتلال مزيداً من الأراضي السورية، واستغلال كل حدث حتى ولو تغريدة أو خبر على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحريف الحقائق عبر ممارسة الأكاذيب دون أي التزام بالمعايير الأخلاقية والسياسية، وتأليف سيناريوهات خيالية وإظهارها وكأنها حقائق، وممارسة أقصى حالة من الحرب النفسية ضد كل من يعارض سياسة وممارسات سلطة العدالة والتنمية التركي ورئيسها المهوس بالسلطة والدكتاتورية المطلقة.

تغريدة واحدة من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب، كان كافياً لكي يسيل اللعاب لدى حكام أنقرة، حيث بدأ أردوغان وزمرته، بتأليف السيناريوهات، ووضع الخطط، وإظهار ذلك في الإعلام وكأن كل الأمور تسير وفق ما تريده أنقرة. تحدث ترامب في تغريدة له عن تشكيل منطقة آمنة بعمق 30 كيلو متر، ورغم إنه لم يحدد المنطقة بالضبط، ولا كيفية تشكيل هذه المنطقة، إلا إنه كان يتحدث عن المناطق التي ستنسحب منها القوات الأمريكية في شمال وشرق سوريا. لكن؛ حكام أنقرة سارعوا بالترحيب بالفكرة، لا بل اعتبروها فكرتهم وليس فكرة دونالد ترامب، ورسموا المخطط والخارطة التي ستشملها “المنطقة الآمنة الممتدة حسب حكام أنقرة من إدلب إلى آخر نقطة في إقليم الجزيرة، مروراً بعفرين وإعزاز وجرابلس وكوباني وحتى ديرك”، وطبعا هذه المنطقة سيتم إدارتها من قبل الحكومة التركية وتحت سيطرة الجيش التركي ومرتزقته من الفصائل السورية المتطرفة والمرتزقة.

لكن الحقيقة هناك مفاوضات بين أنقرة وواشنطن حول انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، والبحث عن البدائل لكي لا تحدث فراغ ويستفيد منها دول أخرى كروسيا وإيران. ومن الواضح أن هناك اختلاف في وجهات النظر بين واشنطن وأنقرة، ففي حين تؤكد واشنطن وعلى لسان أكثر من مسؤول بما فيهم ترامب نفسه على أهمية حماية الكرد وعدم التعرض لقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب، يصر حكام أنقرة على ممارسة التهديدات بحق قوات سوريا الديمقراطية، وبحق إدارة شمال وشرق سوريا والتي يشارك فيها كل المكونات، بطريقة هي الأكثر ديمقراطية والأكثر انفتاحاً من بين جميع مناطق سوريا الأخرى التي تتقاسمها السلطة والفصائل المسلحة الأخرى وحتى المعارضة.

والمنطقة الآمنة حقاً هي التي يتم حماية السكان فيها من التهديدات، وشمال وشرق سوريا حاليا تتعرض لتهديدات مباشرة وعلنية من تركيا وجيشها. ولذلك؛ يجب حمايتها دولياً من تلك التهديدات العدوانية. أما الادعاء بأنها ستكون منطقة تحت حماية القوات التركية، فهو لن يكون مقبولاً أبداً، لا بل سيكون سبباً لحروب جديدة قد تؤدي إلى مجازر وكوارث في حال السماح لحكام أنقرة باجتياح شمال وشرق سوريا. لكن؛ باعتقادي إن الولايات المتحدة تبحث عن حلول لإيجاد بديل مقبول من الأطراف كافة، بطريقة تحمي كافة المكونات في شمال وشرق سوريا، وإرضاء أنقرة التي تتحجج بحماية حدودها من التهديدات، وقد اعترف المسؤولون الأتراك بإن الوفد الأمريكي قدم لهم ورقة عمل مؤلفة من خمس نقاط، و هم بدورهم قدموا ورقة أخرى للولايات المتحدة لإجراء مزيدا من المشاورات والمحادثات.

ومن غير المنطقي ان تُسلم الولايات المتحدة الأمريكية منطقة شمال وشرق سوريا إلى تركيا، لأسباب عديدة منها انها خطوة لن تقبلها إدارة شمال وشرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية، ولا مكونات المنطقة كافة، وستلاقي مقاومة شرسة وستندلع اشتباكات وحروب لن تكون إلا في صالح ظهور داعش مجدداً. وأيضاً ستكون عملاً غير أخلاقي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية التي ستضحي بحلفائها من أجل مصالح اقتصادية وتجارية، ومن غير المرجح أن تفعلها حفاظا على سمعتها العالمية وكذلك حفاظاً على مصالحها الاستراتيجية. وقد وضعت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها تحت مسؤولية حماية حلفاءها الذين قاتلوا مع جيشها ضد داعش، وعلى لسان الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته والعديد من المسؤولين الآخرين الذين أكدوا على حماية الحلفاء وعلى حماية القوات التي قاتلت داعش إلى جانب التحالف الدولي.

المنطقة الآمنة حقا ستكون محمية برعاية دولية أو على الأقل محمية بقوات التحالف الدولي، وسيتم إدارتها من قبل مكوناتها كافة، ومن أجل إغلاق الباب على حجج أنقرة التي تدعي (رغم انه غير موجود فعلا) إن هناك خطر إرهابي على حدودها، ويهدد أمنها القومي فلا حل سوى نشر قوات دولية او قوات من التحالف الدولي على حدودها على شكل نقاط وقواعد مراقبة لمنع حدوث أي اشتباك بين الجيش التركي وقوات سوريا الديمقراطي، أما خيالات أنقرة، وأحلامها بالسيطرة على شمال وشرق سوريا فستلاقي مقاومة شرسة من المكونات كافة، والجميع سيقف صفاً واحداً ضد التهديدات التركية وأطماعها في المنطقة.