الكُرد والتاريخ الذي لم ينصفهم

رفيق ابراهيم –

 يشهد التاريخ على العديد من الاتفاقيات التي أبرمتها دول المنطقة ضد الكرد، ولا تزال العديد من هذه المؤامرات مستمرة، إلا أن انقسام البيت الكردي أيضاً كان سبباً في عدم وصول الكرد إلى حقوقهم، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية في السادس من تشرين الثاني الجاري قراراً بحق ثلاثة من الثوار القياديين الكرد، وهم كل من جميل بايك ومراد قريلان ودوران كالكان. ويرى الكرد في هذا القرار استمراراً للمؤامرات التي استهدفتهم خلال أوقات مختلفة من التاريخ وما هي إلا استكمالاً لها. تأسس نظام جديد بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وسعت كل القوميات الموجودة لأن تأخذ مكانها ضمن هذا النظام الجديد، حيث أن هذا النظام بُني على أساس الدول القومية، ومن بين هذه القوميات كان الكرد يسعون لإقامة دولة لهم، إلا أنهم فشلوا في ذلك بسبب انقسامهم بين بعضهم البعض.

اتفاقية لوزان سنة 1923

 أُبرمت اتفاقية لوزان في 24 تموز سنة 1923 بمدينة لوزان السويسرية بين كل من بريطانيا وفرنسا واليابان واليونان ورومانيا وصربيا وتركيا، وأسفرت هذه الاتفاقية عن رسم الحدود التركية بشكلها الحالي، والاعتراف بها. أظهرت الهيئة التي كانت تُمثل الكرد في الاتفاقية والإدارة التي تُمثل أنقرة على أنها ممثل عن الكرد أيضاً، لكن اتفاقية لوزان لم تمنح مكاناً واسماً للكرد، ولم يحضر في الاتفاقية ممثلون عن الكرد في حقيقة الأمر، ورغم أنهم كانوا يقولون بأن “تركيا موطن للكرد والترك”، وهي “دولة مشتركة للمجتمعين هناك”، لكن لم يقوموا بذكر هذا الشيء بشكل رسمي في الاتفاقية، كما لم تنضم أية هيئة كردية إلى المحادثات التي سبقت الاتفاقية، وتم إنكار دورهم، وغضّوا الطرف عنهم. وكان الكرد يطالبون بحقوقهم قبل اتفاقية لوزان، إلا أن مصطفى كمال أتاتورك أخبر الكرد بأنهم سيعملون على تأسيس الدولة معاً، وبشكل مشترك، ليخدعهم بعد ذلك، حيث تمكن أتاتورك من جلب بعض القوى الكردية معه وتوقيع الاتفاقية عن طريقهم. بعد التوقيع على الاتفاقية لم يعطوا الكرد حقوقهم، وحتى هذه اللحظة يتم إنكار وجودهم لا بل تتم إبادتهم. تلت هذه الخطوة الانتفاضة ضد أتاتورك في العديد من المرات، وتعرضت جميع هذه الانتفاضات إلى المجازر والقتل، ولا يخفى أن تكون من أحد أسباب المصائب التي حلت على الكرد هو تشتتهم وانقسامهم، وسهل هذا الأمر على الأتراك لارتكاب المجازر بحقهم، حيث أغلقت هذه الاتفاقية طريق الاستقلال على الكرد، وعلى الرغم من أن بريطانيا وعدت الشيخ محمود البرزنجي بمنح الكرد دولة مستقلة، إلا أنها لم تتمكن من تنفيذ وعودها بسبب ضغوطات عرب العراق والكماليين الأتراك، كما فعلت مع اليهود في فلسطين.

الموصل وحجر العثرة أمام الاتفاق

 لم تتمكن بريطانيا وفرنسا وتركيا من الاتفاق حول مدينة الموصل في اتفاقية لوزان، ليتفقوا بعدها في سنة 1927 على ضم مدينة موصل الكردستانية إلى العراق عبر اتفاقية أنقرة، اجتمع وزراء خارجية إيران وتركيا وأفغانستان والعراق في منطقة سعد آبادي بطهران يوم 8 تموز 1937. ووقّعت الأطراف المجتمعة على اتفاقية أُطلق عليها فيما بعد باتفاقية “سعد آبادي”. وتنص هذه الاتفاقية على حماية الدول الموقعة لهذه الاتفاقية حدود بعضها البعض، كما نص بند آخر على مساعدة هذه الدول لبعضها البعض في حال حصلت أية مخاطر أمنية ضد إحدى هذه البلدان أو أية تحركات مشبوهة على حدودها وعلى الجميع التصدي لها. يقطن الكرد في أغلب المناطق الحدودية المشتركة بين إيران وتركيا والعراق، وبإمكاننا أن نفهم بأن بنود هذه الاتفاقية وضِعت من أجل استهداف الوجود الكردي في هذه المناطق، أضف إلى ذلك بنداً آخر في اتفاقية سعد آبادي تنص على التالي: “إذا حصل في أي جزء من كردستان، أي نضال من أجل نيل الحرية، يجب أن تتشارك الدولة الثلاث في سد الطريق عليهم”، واستمرت هذه الاتفاقية حتى سقوط نظام حكومة الشاه رضا بهلوي سنة 1979 ولم يحصل أي تغيير بعدها وبقيت الاتفاقية كما هي.

جمهورية مهاباد واتفاقية الجزائر

في 22 كانون الأول سنة 1946 أعلن القاضي محمد عن تأسيس جمهورية مهاباد، وكانت روسيا حينها محتلة للأجزاء الشمالية من إيران، وبريطانيا للأجزاء الجنوبية، فيما بسط الحزب الديمقراطي الحر على كامل أذربيجان. أعلنت القوات السوفيتية يوم 26 آذار سنة 1946 عن نيتها بالانسحاب من شمال إيران تحت تأثير ضغوطات القوى الغربية وعلى رأسها أمريكا، وخلال شهر حزيران من العام نفسه، طالبت إيران باعتقال الأحرار وعلى رأسهم قادة الجمهورية، لتكون هناك مؤامرة كبيرة ضد الجمهورية الحديثة، ووجِد بأن سبب انهيار جمهورية مهاباد هو عدم وحدة الصف الكردي والمؤامرات الدولية التي تمت لإفشال هذه الجمهورية وهذا الحلم الكردي. ومن ثم جاء توقيع اتفاقية الجزائر سنة 1975 بين العراق وإيران، والتي نصت على توقف إيران عن دعم القوى الكردية في باشور كردستان، مقابل تسليم العراق بعض الأقضية العربية لإيران ومنها الأهواز، وأدى هذا الاتفاق إلى فشل ثورة الملا مصطفى البرزاني وحدوث مجازر كبيرة بحق الكرد.

اتفاقية أضنة واستمرار المؤامرة

وقعت اتفاقية أضنة الأمنية في 20 تشرين الأول سنة 1998 بين تركيا وسوريا، وجاءت هذه الاتفاقية عقب بدء المؤامرة ضد قائد حزب العمال الكردستاني القائد عبد الله أوجلان في 9 تشرين الأول سنة 1998، ونصت الاتفاقية أو ما سمي بالبيان على تسليم سوريا لجميع كوادر حزب العمال الكردستاني الذين يتم اعتقالهم إلى تركيا. وأدت هذه الاتفاقية بالفعل لتسليم العشرات من النشطاء الكرد إلى الدولة التركية من قِبل سوريا، كما دبلجت سوريا العديد من المسلسلات التركية إلى العربية وبدأت بنشرها بهدف محاربة الثقافة والفن الكرديين وكان الكثير منها يتقصد الإساءة للكرد، بالإضافة إلى ذلك حصلت اتفاقيات على الصعيد الاقتصادي بين البلدين. بعد الاتفاقات الإيرانية والتركية والعراقية رأت دول العالم أيضاً بأن الكرد يطمحون لأن يكونوا قوة في المنطقة ويطالبون بحقوقهم، وهكذا بدأ فصل آخر من المؤامرات الدولية ضد الكرد والتي لا تزال مستمرة حتى الآن، مرت مئة سنة كاملة على انتهاء الحرب العالمية الأولى، ومنذ ذلك اليوم، تُجرى لأول مرة تغييرات على أسس الدولة القومية من قِبل الدول المهيمنة على القرار الدولي، مما خلق فرصة للشعب الكردي للبروز إلى الواجهة مرة جدية وبقوة أكبر، فكيف سيتخذ الكرد مكانهم ضمن الخارطة الجديدة للشرق الأوسط. بالنظر إلى التاريخ نجد بأنه في كل مرة يمتلك فيه الكرد القوة ويخطون خطوات هامة من أجل تحصيل حقوقهم، تبدأ الدول الإقليمية والعالمية بفصل جديد من المؤامرات ضد الشعب الكردي. وفي هذه المرحلة الحالية تسعى دول العالم والدول الإقليمية إلى إجراء تغييرات في خارطة الشرق الأوسط، وفي هذه الأثناء أيضاً يملك الكرد قوة كبيرة ومؤثرة جداً، ظهرت بشكل خاص في محاربة مرتزقة داعش ودفاعاً عن العالم أجمع. وخلال هذه المرحلة إن لم يتمكن الكرد من التحول إلى أمة معترف به، فلن يتمكنوا من تحصيل حقوقهم، جرت محاولة في باشور كردستان عبر إقامة استفتاء للاستقلال، إلا أنها تعرضت إلى هجوم من قِبل القوات العراقية بدعم ورضى دولي واتفاق تركي إيراني عراقي، حيث خسرت باشور كردستان 51% من مساحة أراضيها التي كانت تسيطر عليها. وفي روج آفا، تعرضت عفرين إلى الاحتلال التركي بنتيجة الاتفاق التركي الروسي الأمريكي، وجاءت هذه المؤامرة بعدما أصبح الكرد أصحاب مشروع ديمقراطي لشمال سوريا كافة، فنظام الإدارة الذاتية الذي تم بناءه يتناقض مع مصالح القوى الإقليمية والدولية، حيث تسعى هذه الدول إلى استخدام الشعب السوري من أجل خدمة مصالحها السياسية، ولهذا يبدو أن لا حل في الأفق الآن.

العمال الكردستاني ومشروع الحل

يملك كل من حزب العمال الكردستاني ومنظومة المجتمع الكردستاني مشاريع للعيش المشترك بين الشعوب وكيفية إدارة الشرق الأوسط عبر رؤيته الديمقراطية، وترى هاتين الحركتين الكرديتين نفسيهما كأسلوب للعيش المشترك والديمقراطي بين الشعوب كافة. والإدارة الذاتية الديمقراطية لا يتوافق مشروعها مع الخارطة الجديدة التي تسعى إليها الدول الإقليمية والعالمية، وهذا ما يدفع تلك الدول إلى استهداف قادة حزب العمال الكردستاني ومنظومة المجتمع الكردستاني والاستمرار في التآمر على الشعب الكردي وحركته التحررية الوطنية. ولذلك؛ كان القرار الأمريكي الذي يستهدف القادة والثوار الكرد الثلاث جميل بايك ومراد قريلان ودوران كالكان إلى سد الطريق أمام حركة التحرر الكردية للحصول على الحقوق الكردية التي تُدافع عنها، كي لا يتمكن الكرد من الحصول على حقوقهم في الشرق الأوسط. ولهذا؛ يسعى المحتلون إلى إبقاء الكرد منقسمين بين بعضهم البعض، ويتعاطون معهم على هذا الأساس، فمثلاً تُقيم إيران علاقات قوية مع بعض القوى الكردية، وبالمقابل علاقتها مع بعض القوى الأخرى علاقة عداوة، فيما ترى تركيا بعض القوى الكردية حليفةً لها وبعض القوى الأخرى إرهابية بنظرها، وعلى الشاكلة نفسها يتعاطى الروس والأمريكان مع الأمر أيضاً. على هذه الأسس يدعو المواطنون والمراقبون السياسيون في كردستان إلى بناء الوحدة الكردية للتصدي لجميع الهجمات والمؤامرات التي تُحاك ضدهم، كما يجب أن يكون هناك مشروع بين الكرد جميعاً يكون في خدمة الشعب الكردي في كل مكان، وكل الأشياء التي تجمعنا لنكون يد واحدة ونطمح جميعاً أن يكون لنا دور في بناء سوريا ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها.