القراءة بين الماضي والحاضر

روناهي/الدرباسية- تعددت وكثرت وسائل الحصول على المعلومات والثقافة في أيامنا هذه, والتي تطورت مع الزمن حتى باتت كل منها تلغي ما سبقها, فعلى سبيل المثال, ألغى التلفاز المذياع, حتى بات الأخير قطعة تستعمل كزينة في المنازل, كما إن شبكات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بدأت تُلغي شيئاً فشيئاً التلفاز من حياتنا اليومية, ليصبح كل جديد منها ملاذ للتسلية والترفيه إضافة إلى المعلومات التي يمكن اقتنائها منها.

خيرُ جليس

بالرغم من كل ذلك التطور العاصف على البشرية, ألا إنه يبقى الكتاب المرجع والأساس في كسب المعلومات ولم يخطئ من أسماه خير جليس في الأنام, بالرغم من العدد القليل من القرّاء الذي يمكن أن يُشاهد في هذه الأيام.

عبد الباقي محمد علي, ابن ناحية الدرباسية, من مواليد 1942, يُعتبر من القرّاء النوادر الذين لا زالوا يرون في الكتاب أُنسهم، عبد الباقي الذي يبلغ التاسعة والسبعين من عمره لا يزال مواظباً على شغفه الذي تملكه منذ الخمسينات, ذلك الشغف الذي يدفعه إلى مصاحبة الكتاب قرابة أربع ساعات يومياً.

يروي لنا هذا القارئ المخضرم مسيرته في القراءة فيقول: “بعد أن حصلت  على الشهادة الثانوية كنتُ أريد أن أصبح مدرساً إلا أن” الموافقة الأمنية” حالت دون ذلك لأنني كردي، فقدمت على التوظيف في الجمارك وتوظفت هناك, ومن ثم التحقت بجامعة دمشق قسم الفلسفة, ثم عملتُ كمدرس في ثانوية الدرباسية لمدة شهرين, وبسبب “تقارير” من قِبل بعض البعثيين تم نقلي إلى مدينة عامودا لمدة سنة ومن ثم عدت إلى الدرباسية”.

1956 كانت الانطلاقة

يعتبر عبد الباقي عام الـ 56 العلامة الفارقة في حياته, حيث بدأ بالأبحار بين الكتب, ذات المواضيع المختلفة وبدءاً من المستويات الأولى حيث يقول: “انطلاقتي كانت من قراءة المجلات الصغيرة مثل مجلة الهلال ومن ثم بدأت في عام 1958 بقراءة الكتب التقدمية المصرية والكتب الماركسية والجرائد الشيوعية التي كانت تصدر سراً في زمن الوحدة بين سورية ومصر, إضافة إلى جريدة النداء اللبنانية, ولكنني لم أكن منظماً في الحزب الشيوعي بل كنت ولا زلت صديقاً للشيوعيين ومن ثم انتقلت لقراءة الفلسفة والتاريخ وعلم النفس”.

أمة عريقة بلا دولة

عبد الباقي يتابع حديثه بالقول: “بعد أن تمكنت من الماركسية – اللينينية, بدأت بالتوسع في القراءة عن القضية الكردية, حيث أنه لمن الظلم أن تبقى أمة كالأمة الكردية, يبلغ تعدادها حوالي 50 مليون نسمة أن تبقى بلا دولة دوناً عن باقي الأمم, إضافة إلى الظلم والاضطهاد الذين الحقتهما الدولة العثمانية بالشعب الكردي, إلى جانب تآمر روسيا القيصرية مع العثمانيين ضد الكرد, ليأتي البلاشفة بعد ذلك ويساعدوا الكرد قدر المستطاع, حيث لينين كان يقول: “وزعوا القمح على الكرد والتتر لأنهم ظُلِموا كثيراً وقد يصلوا حد المجاعة”.

ظاهرة منتشرة

في مرحلة ما كانت القراءة قد زادت بشكلٍ كبير, وخصوصاً تلك المرحلة التي شهدت أحداث ومتغيرات عالمية كبيرة, بدءاً من الحرب العالمية الأولى وانتصار الثورة البلشفية مروراً بمرحلة الاستقلالات والحرب العالمية الثانية وصولاً إلى انهيار الاتحاد السوفييتي في هذا الصدد يقول عبد الباقي: “في تلك الفترة كانت القراءة منتشرة بكثافة ولاسيما بين فئة الشباب, ولكنها لم تدوم, وقد أصبحت بالنسبة لي هواية يصعب تركها, حيث إنني لا أزال حتى اليوم أقرأ قرابة الأربع ساعات يومياً, بالرغم من إن نظري لم يعد يساعدني، ولكنني لا أزال أعير القراءة قدرها الكافي وأخصص لها جل وقتي قدر المستطاع, فأقرأ في الصباح الباكر وفي فترة العصر”.

  عبدالباقي يتابع: “اقرأ في هذه الأثناء تاريخ الشعب الكردي إضافة إلى مادية ماركس وانجلس ولينين, إضافة إلى كتب بليخانوف”.

ويختتم حديثه بالقول: “من المؤسف جداً أن نشاهد اليوم هذه الهوّة الموجودة بين الشباب والكتاب, حيث إنني ألاحظ أن القراءة باتت شيء نادر جداً, لم نعد نشاهد ذلك الحب للقراءة بين الناس, حيث باتت حكراً على فئة صغيرة جداً من الشعب, في الوقت الذي نكون أحوج إلى تنمية عقولنا لنرسم لأنفسنا طريقاً واضحاً يساعدنا على التخلص من ما نحن عليه الآن”.