الحرب تفكك الثقافة التقليدية

رؤوف كاركوجان_

تواجه شعوب الشرق الأوسط الحروب الإمبريالية التي تُفرض عليها، بثقافاتها المختلفة. إذ أنّ مقاومة الثقافات العريقة هو أهم مصدرٍ من مصادر قوة المجتمع التقليدي. إنّ الرأسمالية العالمية تنجح من خلال القضاء على الثقافة التقليدية. حيث ينطلق المدّ الذي يًعرف بالإمبريالية الثقافية في المجال الثقافي. وهي تؤثر في الحياة الاجتماعية من خلال فرض ثقافتها والأهم أنها تبني مجتمعاً مستهلكاً. ولأن المجتمع يساعد على الاستهلاك فإنّ الخيارات الاستهلاكية تتزايد وتجعل هذا الأمر أكثر إثارةً للاهتمام ويحاصر المدّ الرأسمالي الثقافي المجتمع.

تُزال بيئة العناصر الثقافية في المجتمعات الداعمة للحرب وتُضعف العلاقات الثقافية. وعلى الرغم من أنّ ظروف الحياة تتغير وفقاً لمسيرة الحرب، إلّا أنّ عدم الاستقرار في مجالات الحياة الأخرى تظهر، لاسيما التخوف بشأن المستقبل والقضايا الأمنية. ويتجلّى الانحطاط الثقافي في الفكر ويتسبّب بالتآكل في الحياة اليومية. كما يؤدي إلى انحرافاتٍ كبيرةٍ في الحياة الاجتماعية، والسلوكيات والعلاقات.

كما يتم القضاء على الميراث الثقافي في الميادين الثقافية التي تندلع فيها الحرب. وإنّ فقدان الوعي الثقافي والتاريخي يعني عدم الاعتراف بالمجتمع. ويتجلّى العرض الأول في الفكر والحياة اليومية. لأنّه كلما تزايد انحلال القيم الاجتماعية في المجال الثقافي فإن الفساد يعمّ وينتشر في جميع مجالات الحياة ويصبح مجالاً لولادة النظام الرأسمالي.

اللجوء الناتج عن الحرب هي مشكلةٌ اجتماعية أساسية. وأوروبا هي الوجهة الرئيسية للمهجرين قسراً بسبب الحرب. وهذا ليس محل صدفة. فعندما يحدث الانفصال عن الأرض يحدث الانفصال في العديد من الانتماءات. حتى أسلوب الحياة، يغيّر كل ما ينتمي إليه. إن الشخصية والطابع يتغيّران بالإكراه، إنها تبتعد عن الشخصية الذاتية. يجب أن يتعلموا لغة وثقافة البلد الذي سيستقرون فيه من أجل التكيف في أوروبا والاندماج في الحياة هناك، وقبول أسلوب الحياة تلك.

وسواء أكان اللجوء إلى الدول الأجنبية أو على أرض الوطن، فإنه يتسبب بانحلالٍ في الثقافة التقليدية. إنّ الإبادة الحربية على الثقافات هي أكبر من الإبادة الجسدية. والسبب الأكبر للتفكك الاجتماعي هو هذه الإبادة الثقافية. وهي لا تكتفي بالإبادة الثقافية بل تقوم في الوقت نفسه بجعل الاختلافات الثقافية أداةً لخلق الصراعات الداخلية. يتم تصميم مستقبل الشرق الأوسط بهذه الطريقة.

إنّ الإمبريالية الثقافية التي تفرضها القوى العالمية في الشرق الأوسط، هو موضوعٌ مهمٌ جداً وينبغي حلّها. كما أنّ آمال القوى الإقليمية هي أيضاً بهذا الشكل. لاسيما أنّ سياسة الدولة التركية المتعلقة بالكرد تقوم على أساس الإبادة السياسية والثقافية. إن التقسيم المادي لجغرافية الكرد، يعمّق التقسيم القائم من خلال الجدران الإسمنتية. لقد فتحت جبهةً حربيةً كبيرةً في المجال الثقافي أيضاً باستهداف منجزات الشعب الكردي. الخطر الأكبر الذي يواجهه الشعب الكردي هو تلك الحرب الذي يشنّها العدو على الصعيد الثقافي. وسيكون من الصعب علينا حماية منجزاتنا وقيمنا من دون تحديد هذه المخاطر.

طالما لا يتم النظر إلى الصراعات الثقافية على أنها صراعاتٌ أيديولوجية فسيستمر المجتمع بالابتعاد عن حقيقته. سوف يبتعد عن نفسه ويعيش تحت نير العبودة. وهذا يعني تقديم القيم التي تم تحقيقها بتقديم تضحيات عظيمة وبذل الدماء للعدو على طبقٍ من ذهب. إن المجتمع والأشخاص الذين لا يتبنون ثقافتهم بما يكفي هم محكومون بالعبودية. يجب أن تتحلى المقاومة الشعبية بالثقافة التاريخية، وتعمل على استدامة الثورة وأن يتم الدفاع عنها في جميع مجالات الحياة. إنّ تاريخ الشعوب يُسطّر بهذا الشكل. إنّ الذاكرة تُبنى وتكتسب المعنى وتدوم بالثقافة والفن والأدب.

إن التاريخ كلمةٌ مشتقةٌ من التساؤل. ولرؤية الانتصارات والهزائم في التاريخ واستخلاص الدروس منها، هذه قاعدة الوجود الحيّة. إنّ بناء النظام الديمقراطي الطويل الأمد والمجتمع الأخلاقي السياسي هما بحسب مستوى تلك الثقافة التي حققها البشر. وينبغي أن نعمل على أساس رؤية وإزالة أوجه القصور في هذا المجال.

إن الأشخاص الذين يبدون ردّ فعلٍ دفاعي على الصعيد المادي، يتركون أنفسهم بلا حماية بطريقةٍ ما على الصعيد الثقافي. إن الحياة المنفتحة على هجمات الثقافات الأجنبية أضرّت بثقافتنا الأصلية. لا يكفي اتخاذ موقفٍ ضد هجمات العدو من الناحية الجسدية فقط أو مثلاً إنشاء خطٍ دفاعيٍ والنضال من الناحية العسكرية فقط. ينبغي القيام بالدفاع الأكبر على الصعيد الثقافي، وتحقيق وعيها.

إن طريق بناء المجتمع الديمقراطي، وتنظيم الأمة الديمقراطية وإقامة النظام الديمقراطي ممكن أن تتحقق من خلال تطوير الثقافة الديمقراطية.