سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الاتفاق الأمني.. مصلحة سعودية أمريكية في آن معاً

 هيفيدار خالد_

تسعى السعودية إلى تعزيز قدراتها الأمنية والحصول على الدعم العسكري اللازم لها من خلال توقيع اتفاقيةٍ أمنية، مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ تجمعهما علاقاتٌ تاريخية وصلت لمستوى الحلف الاستراتيجي في بعض القضايا، وفي الوقت الراهن تسعى الرياض للحصول على ضماناتٍ أمنيةٍ أمريكيةٍ ومساعدةٍ في المجال النووي للأغراض المدنية، وعقد اتفاقاتٍ تنظمها معاهداتٌ طويلة الأجل، وبالتالي علاقة مميّزة وثابتة مع أمريكا، مختلفةٌ تماماً عن غيرها من الدول، وعلى الرغم من عديد المطبّات والتقلّبات التي شهدتها العلاقة بين البلدين إبّان وصول الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن إلى السلطة، إلا أنّ مباحثات التطبيع العربي مع إسرائيل والتي سعى من خلالها بايدن إلى تسجيل إنجازٍ تاريخيٍّ من خلال إتمام ما سُميت بصفقة القرن التي أرسى دعائمها الرئيس السابق دونالد ترامب، تعكّرت بفعل الحرب بين حماس وإسرائيل قبل أكثر من سبعة أشهر، وهي حربٌ رأى فيها الكثيرون أنّ أطرافاً إقليمية افتعلتها لغايةٍ تتعلّق بهذا الملفّ خاصّة.
السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة لماذا تسعى الرياض إلى إبرام هذا الاتفاق؟ وعلامَ ستحصل بموجبه في حال تكلّل بالنجاح؟ وللإجابة على هذه التساؤلات لا بدّ أن نعلم أن الاتفاق يمثّل بالنسبة للسعودية أهمّيةً عظمى من جهة حماية مصالحها المهمّة والحسّاسة بالمنطقة على اعتبار أنّها تحمل مناصفةً مع مصر “راية العرب”، وبناءً عليه اتّخذت استراتيجيةً جديدةً في السنوات الأخيرة، عمادها تطوير مشاريعَ جديدةٍ واعدة في مجال التنمية لجميع فئات المجتمع -خاصّة الشباب – والعشرات من القطاعات الأخرى في البلاد وتغيير بعض القوانين المتعلّقة بحقوق الإنسان، في محاولةٍ لتسويق نفسها عالمياً على أنّها تلحق بركب الحضارة العالمية دون أية عوائق، وكذلك لتحسين أو تجميل صورتها، إنْ جاز التعبير، بسبب انتهاكاتٍ في مجال حقوق الإنسان، وبشكلٍ خاصٍّ بعد التشويه الكبير الذي طال صورتها، وما ترتّب على ذلك من انتقاداتٍ غير مسبوقة وُجِّهت لها عَقِب اتّهام قمة الهرم فيها بجريمة قتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي في السفارة السعودية بإسطنبول عام ألفين وثمانية عشر، ولا يمكن إنكار الاستماتة من جانب واشنطن في تهميش قضية خاشقجي وجعلها طي النسيان، وهنا كان من الواضح أنّ الرياض تلقّت الرسالة الأمريكية بحكمةٍ شديدة وبدأت تغييراتٍ جوهريةً في سياساتها الداخلية والخارجية على حدٍّ سواء.
من المؤكّد أن تنفيذ كلّ هذه المشاريع الحيوية المستقبلية، يمرّ بطريق تحقيق الأمن والسلام الدائم مع دول الجوار وخاصةً إيران التي لها معها خلافاتٌ مذهبيةٌ عميقة، ولدرء المخاطر المحيطة بها لا بدّ من دعمٍ أمريكيٍّ يكسبها التفوّق في المجال العسكري والمدني أيضاً، عبر الحصول على الأسلحة والتكنولوجيا الحديثة والمتقدمة، بهدف تحصين نفسها بشكلٍ أكبر، ومن ثمّ الاستعداد والتحضير للمشاركة في سباقات التسلّح بالمنطقة، فضلاً عن حصولها على أسلحةٍ متطورةٍ من دولٍ أخرى، والاستفادة من خبرات واشنطن الدفاعية في كافة المجالات.
وتسعى الرياض بشكلٍ لا لبس فيه عبر التوقيع على هذه الاتفاقية الأمنية، لضمان قيام واشنطن بالدفاع عنها في حال تعرّضها لهجومٍ من أي طرفٍ كان وحماية مصالحها، وتريد السعودية علاقةً قويةً ووثيقة تشبه العلاقة السائدة بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأيضاً العلاقة الأمنية بين الأخيرة واليابان، وذلك بحسب محللين مختصين ومراقبين للشأن الإقليمي والدولي.
في المقابل، أمريكا أيضاً بحاجةٍ إلى هذا الاتفاق وخاصّةً في هذه المرحلة، حيث إن الإدارة الأمريكية الحالية تستعدّ لاستحقاقٍ انتخابيٍّ مهمٍّ من المقرّر إجراؤه في شهر تشرين الثاني القادم، وتحاول تحقيق اختراقٍ وإنجازٍ تاريخيٍّ من المنظور الاستراتيجي، فيما يتعلّق بالسياسة الخارجية قبل الانتخابات، وعدم فتح المجال أمام خصومها للتدخل في المنطقة، وخاصةً بعد أن عقدت السعودية صفقاتٍ تجاريةً ضخمة مع “الصين وروسيا” مثلاً، وفتحت أمامهما الأبواب للتأثير في إحدى أهم مناطق النفوذ الحيوية للولايات المتحدة، الأمر الذي أثار حفيظة واشنطن، لتتحسس بخطورة الموقف وتبدأ بسحب البساط من تحت أقدام الصين العملاق الآسيوي والغضب القادم من الشرق، الذي يزاحم واشنطن في مكانتها المتربعة على عرش الاقتصاد العالمي، خاصة بعد أن تسلّلت بكين خلسةً إلى منطقة الخليج وعقدت لقاءاتٍ واتفاقياتٍ من تحت الطاولة، ويجب ألا ننسى أيضاً أن الاتفاق السعودي الإيراني الذي تم في شهر آذار من العام الماضي كان برعاية صينية، وهنا استشعرت واشنطن الخطر وكان لا بدّ من التحرّك قبل فوات الأوان، فيما يرى بعضهم أن السعودية كانت تستفزّ الولايات المتحدة وتجبرها “بقوةٍ ناعمة” على التحرّك.
وعلى خلفية مجمل هذه المتغيرات والتطورات، حرصت الإدارة الأمريكية على إنجاز هذا الاتفاق مع تعديل بعض البنود الفنية التي تهمها وتضمن مصالحها وتحافظ على دورها في منطقة الشرق الأوسط؛ لأنّ استقرار السعودية أمرٌ مهمٌّ بالنسبة للقيادة السعودية بطبيعة الحال وبالنسبة لأمريكا بالقدر نفسه، وأي تحالفٍ قويٍّ بين البلدين يُطمئِن السعودية التي تخشى جموح إيران وتعتبره خطراً داهماً، كما ترى فيه الولايات المتحدة تهديداً لحليفتها الإستراتيجية إسرائيل، وعليه فإن القواسم المشتركة كثيرة والمصلحة أكثر من مشتركة، وهناك أسبابٌ عديدة أخرى لا مجال لذكرها هنا، تدفع الطرفين لتعزيز علاقاتهما وشراكتهما التاريخية لسنواتٍ طويلةٍ قادمة.
بالطبع إن تطبيق الاتفاق بين البلدين يواجه العديد من العقبات منذ بداية الحديث عنه وحتى وقتنا الحالي، خاصّةً أنّ لكلّ طرفٍ في الاتفاقية مطالبَ يتمسّك بها، فلدى السعودية مطلبان أساسيان؛ هدوءٌ في غزة يقود إلى مسارٍ سياسيٍّ لإحلال السلام في الشرق الأوسط بإطار خطّة تضمن حل الدولتين، وبالتالي قيام دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلة، مقابل التطبيع مع إسرائيل، ومطلبٌ آخر لا يقلّ أهمّيةً هو الحصول على ضماناتٍ مكتوبة من واشنطن للدفاع عنها بوجه أي خطرٍ خارجيّ وما يتعلّق بهذا الأمر من مطالبَ فرعيةٍ تتعلّق بالأبحاث النووية الخاصّة بالأغراض السلمية، والموافقة الأمريكية هنا ليس بالأمر السهل.
 وعلى الرغم المحادثات الماراثونية بين الطرفين فإنّ واشنطن وضعت شرط موافقة إسرائيل وإرضائها من أجل تمرير هذه الاتفاقية الدفاعية في المقام الأوّل، هذا عدا أنّ أيّ اتفاقٍ أمني بهذا الشأن يحتاج لموافقة الكونغرس الأمريكي، الذي ربما يقوم بعرقلة الاتفاقية تضامناً مع إسرائيل التي تحظى بدعمٍ كبيرٍ منه في الوقت الحالي، لكن في حال موافقة الكونغرس على الاتفاقية والمصادقة عليها، من المحتمل أن تسهم كلّ هذه التطوّرات في فتح المجال أمام تشكيل تحالفاتٍ جديدةٍ في المنطقة، وإعادة تشكيل شرق أوسط جديد في ظل الظروف والتحديات التي تمرّ بها المنطقة، خاصّة بعد الأزمة الروسية الأوكرانية والحرب بين إسرائيل وحماس، وخسارة رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان في انتخابات البلديات، وحصول المعارضة التركية على أغلبية الأصوات.