التلاحم الاجتماعي والثقافي بين شعوب شمال وشرق سوريا حالة تعايش مشتركة منذ الأزل

الحسكة/ آية محمد_

---

إقليم شمال وشرق سوريا وبشكل خاص في إقليم الجزيرة، نشأت على أرضه، وفي مدنه وقراه شعوب عديدة تربطها روح الأخوة والتعايش المشترك والمحبة والتوافق منذ العصور القديمة وورثوها من أجدادهم، حيث لا تفرقة، ولا تباغض، يتحدون بعلاقات وطيدة ضد كل من يحاول الإيقاع بينهم.

تتميز مناطق إقليم شمال وشرق سوريا بتنوعها الثقافي والقومي والديني، ويقطنها الكرد، والعرب، والسريان، والآشور، والإيزيديون، وعدد من الشعوب الأخرى، وحاولت الكثير من الجهات لأن تكون منطقة الجزيرة بؤرة لاختلاف الشعوب حسب مصالحا ورغباتها.

لكن السمة الغالبة فيها هي التعايش السلمي على مبدأ التآخي والوفاق، وظهر هذا جلياً من خلال الوقوف ضد القوى التي هاجمت المنطقة.

علاقات الأخوة والترابط بين الكرد والعرب

 وفي هذا السياق التقت صحيفتنا “روناهي” أفراداً من الشعبين العربيّ والكرديّ في إقليم الجزيرة، والذين أكدوا عمق التآلف والتوافق بين المجتمع في إقليم الجزيرة، والذي تقطنه شعوب مختلفة تعيش في توافق مجتمعي وديني منذ آلاف السنين، وبينها حالة انسجام وتآخي ولا فرق لأحد عن الآخر.

أحمد يونس: شاب من الشعب الكردي يعمل مديراً في إحدى مدارس الإدارة الذاتية الديمقراطية، اقترن بفتاة من الشعب العربي، أثناء تواجده للدراسة في جامعة الحسكة، وهو الآن بعيش حياة هادئة مع زوجته وطفليه (رامان وليان)، حياة ملؤها الحب والاتفاق”.

يقول يونس: “مدينة الدرباسية مسقط رأسي، وفيها شبان كثر ارتبطوا بزوجات من شعوب أخرى، الأمر الذي جعل العلاقات بين الشعوب المختلفة للمجتمع المحلي أكثر تداخلاً وارتباطاً”.

وأضاف “أتحدث مع طفلي باللغتين الكردية والعربية، وأسعى كي يتمكنا من التحدث بهما معاً”.

وبيّن “أحمد يونس” إنه رغم بعض العادات، التي تضع العراقيل أمام حالات الزواج بين الشعوب، لكن البعض الآخر لا يعر لهذه العادات شيئا، لأن هناك عوائل منذ القدم عربية كان أم كردية قد اقترنت ببعضها، وتشكلت روابط أخوة، ونسب بين الشعبين العربي والكردي ويعيشون بهناءة عيش، حيث أن والدة أحمد من الشعب العربي.

ويعدُّ “أحمد يونس” “الزواج رابطة إنسانية غير متعلقة بأية طائفة، أو مذهب، أو عرق، ونحن متعايشون هنا عرباً وكرداً منذ مئات السنين، فينبغي ألا توضع هذه الحواجز، حتى لا تكون مداخل للحاقدين ولا للذين يعزفون على وتر الطائفية”.

مشاركة الشعوب في الدفاع عن الأرض 

 تشهد المنطقة منذ القدم تعايشا وتمازجا بين الجميع وكثير من الدلائل والأحداث التاريخية تثبت ذلك، وهناك وقائع مختلفة تدل على عمق العلاقات بين الكرد والعرب.

“بيجان بيشوب“عضو سابق بالقيادة العامة لوحدات حماية الشعب من الشعب الكردي، قال لصحيفتنا: “إن التماسك المجتمعي بين الكرد والعرب، وبين شعوب المنطقة وثيق، وقد تجلى بالمقاومة التي اختلطت بها دماء الشهداء من الجميع دون تمييز، في سبيل الدفاع عن مناطق  إقليم شمال وشرق سوريا”.

وأضاف “بيجان بيشوب”: “الكرد والعرب أخوة رغم المحاولات الكثيرة للتفرقة بينهما، لكن بفضل حكمة أبناء المنطقة أفشلنا هذه المحاولات، وأدركنا منذ البداية بأن غايات هذه الجهات سياسية، فهم يحاولون زعزعة أمن المنطقة وجرنا نحو الهلاك”.

وأكد “بيجان بيشوب” “أن العلاقات الكردية العربية ذات جذور تاريخية عميقة، تعود لآلاف السنين، وأن نجاحهم في تحرير المنطقة من مرتزقة داعش أكبر دليل على ذلك”

موضحاً: أن هناك أطرافاً خارجية تسعى لخلق الفتنة بين الشعبين الكردي والعربي، تحاول زعزعة العلاقة المتينة التي تربط بينهما، عبر زرع خلافات واهية، لكن العرب والكرد منتبهون لتلك النوايا ويتجاوزونها بحكمة واتحاد قوي أمام الأخطار المحدقة بهم كلها، وهم يتعايشون بانسجام وتوافق منذ سالف الدهر.

التمازج الثقافي والتربوي

“إبراهيم عثمان” إداري في اتحاد المعلمين في مقاطعة الحسكة، وهو من الشعب العربي. وقد أشار في بداية حديثه “أنه وبعد إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية وافتتاح العديد من المراكز والمؤسسات ومن ضمنها مراكز اللغة الكردية، وإدخالها ضمن المناهج الدراسية في المدارس الرسمية في روج آفا، ومن حينها يعمل المدرسون العرب بجانب المدرسين الكرد”.

وركز “إبراهيم عثمان”: على أن اللغات الكردية والعربية والسريانية لغات رسمية في التعليم، وهذا أمر يتجاوز الدساتير، التي سنتها الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط، والتي ترفض حتى الآن الاعتراف بلغات وثقافات الشعوب الأصيلة في بلدانها.

واختتم إبراهيم عثمان حديثه: إن المؤسسة التربوية المتكاملة هي التي تقوم على الانسجام والمشاركة، وهي القادرة على تحقيق هدفها التربوي، وبالتالي؛ فإنها ستكون قادرة على تخريج جيل قوي مثقف ومتعلم، يحترم الآخر، ويضع نصب عينيه مصلحة وطنه والنهوض به.

الحالة الفنية المشتركة بين الشعبين 

وإن كانت هناك حالة انسجام وتوافق مجتمعي، فالحالة نفسها مع الفن والحالة الثقافية، وهذا ما خلق تمازجا فنيا يعكس الحالة الإيجابية التشاركية بين الكرد والعرب.

 الفنان “شفان عيسى” من الشعب الكردي، ويقيم حفلاته باللغة العربية: الفنان مرتبط بموطنه وبالمنطقة التي يعيش فيها، لذلك كان لزاما عليه أن يتغنى بتراث الشعوب كلها فالكردي يغني للعربي وكذلك السرياني والإيزيدي؛ لأنها حالة طبيعية في منطقة الجزيرة، فالأعراس والاحتفالات للعربي والكردي يحييها فنانون من الشعبين دون تفريق.

على الرغم من محاولات الفصل الكبيرة التي اتبعتها بعض الجهات في ترسيخ التفريق والتباعد الثقافي والفكري بين العرب والكرد وباقي الشعوب الأخرى، يرى “شفان عيسى” أنه من الصعب التفريق بين أنواع التناغم الفني المشترك المتعلق بينهم، فهم يجتمعون على أساس المواهب، دون أن يعرفوا أن هذا كردي والآخر عربي، أو سرياني.

البعد المستقبلي للشعبين

خلاصة القول: الكرد والعرب في إقليم شمال وشرق سوريا بشكل عام، وإقليم الجزيرة بشكل خاص يتشاركون لقمة العيش، والأفراح، والأتراح، والدفاع عن الوجود في أرض هي ملكهم وعاشوا عليها منذ مئات السنين ولا يمكن للرياح الحاقدة أن تغير مجرى حياتهم الهانئة.

وإن من مواطن القوة بين الأطراف هو التآخي العربي الكردي، نظراً لما له من أهمية في مواجهة التحديات والمصاعب، فالمصير مشترك لأن الأعداء يستهدفون الطرفين الكرد والعرب سوية.

والجدير ذكره: توافق ممثلو الشعوب والمكونات والفئات المجتمعية في إقليم شمال وشرق سوريا من (الكرد، والعرب، والسريان، والآشوريين، والكلدان، والأرمن، والتركمان، والشركس….) على عقد اجتماعي مشترك؛ ليكون دستوراً لمناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية، حيث يراعي هذا العقد حقوق المكونات والشعوب، وثقافاتهم، ومشاركتهم ضمن نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية.