رامان آزاد_
في الحربِ الأوكرانيّةِ تخشى الدولُ المواجهةَ المباشرة، لذلك كان اللجوء إلى حربِ الوكالةِ والاستعانةِ بالمرتزقةِ، ما يسهمُ بتوسيعِ مجالِ الصراع وأمده، والانتقالِ من حربٍ نظاميّةٍ إلى الانزلاق لحربٍ مفتوحةٍ من شأنها تهديدُ الأمن الإقليميّ والدوليّ، علاوةً على تداعياتها الوخيمةِ والدخول إلى مرحلةِ حربِ العصابات، والمجموعاتِ غير المنظمة باسمِ المقاومةِ، ما سيزيدُ معدلاتِ الفوضى ويسهمُ بانزلاقِ الوضع الأمنيّ الإقليميّ والدوليّ إلى الفوضى.
البنادقُ المأجورة في أوكرانيا
انتقلتِ الحرب في أوكرانيا إلى بُعدٍ جديدٍ مع الحديثِ عن انضمامِ أفرادٍ من جنسياتٍ متعددةٍ إليها، وإعلانِ كييف عن تشكيلِ فيلقِ دوليّ وانضمامِ شركات أمنيّة خاصة وتسليحِ المدنيين، لتعادُ تجربةُ حرب أفغانستان، ضدَّ الجيشِ السوفييتيّ والبعدِ الأيديولوجيّ الذي اكتسبته، فأضحت حينها حرباً ذات بعدٍ ثأريّ بدوافعَ دينيّةٍ.
تختلفُ دوافعُ الحربِ بين الأفرادِ والدولِ، وإذا كانتِ الدولُ والحكوماتُ تستندُ إلى معاييرِ المصالحِ والنفوذِ والتحالفِ، فالأمرُ بالنسبةِ للأفراد يتعلق بالدرجة الأولى بالدوافع العقائديّةِ والأيديولوجيّةِ والتعبئةِ المعنويّةِ ومحرّضات الانتقامِ، وغالباً لا يحققون بنتيجةِ الحربِ أيّ مكاسبَ شخصيّة إلا أن يكونوا أداتها وضحاياها.
ظاهرةُ “الجهاديّة” وما سُمّي “الأفغان العرب”، لم تكن ظاهرةً عابرةً، انتهت مفاعيلها بانسحابِ الجيش السوفييتيّ من أفغانستان، فقد أضحى المقاتلون عبئاً على دولهم بما اكتسبوه من خبراتٍ قتاليّةٍ، فأُعيد تدويرُ بعضهم في حربِ يوغسلافيا، ومن بعدها في مناطق الشرق الأوسط ضمن تنظيماتٍ إسلاميّةٍ راديكاليّةٍ.
المشهدُ الأفغانيّ كان معقّداً، ولم يكن هناك سبيلٌ لمواجهةِ الجيشِ السوفييتيّ مباشرةً، فكان البديلُ تقديمُ الدعمِ العسكريّ والتمويلِ وغضِّ النظرِ عن انتقال الجهاديين إلى أفغانستان، واستمرَّ الأمر على مدى عشرِ سنواتٍ، وما يحدثُ في سوريا هو تكرارٌ للتجربةِ ذاتها، ما أسهم بإطالةِ أمدِ الأزمةِ وتعقيدِ مسارِ الحلِّ السياسيّ.
المؤشراتُ الحاليةُ تدلُّ على انزلاقٍ مبكرٍ للحربِ في أوكرانيا إلى حربٍ مفتوحةٍ، تستقطبُ المقاتلين الأجانبَ والأفرادَ الذين يحملون مشاعرَ الكراهيةِ تجاه موسكو، والاعتمادِ على شركاتِ الأمنِ الخاصّةِ لاستقدامِ المرتزقةِ، ومعلومٌ أنّ طبيعةَ المقاتلِ التابعِ للشركاتِ الأمنيّة عدمُ التزامِه بقوانين الحربِ، فهو يقاتلُ لأجلِ المالِ فقط، وبذلك ستنفتحُ الحربُ على فصولٍ أكثرَ دمويّةٍ وعملياتِ اغتيالٍ خارجَ إطارِ العملياتِ العسكريّةِ وارتفاعِ الخسائرِ والانتهاكاتِ ضدَّ حقوقِ الإنسانِ، ويبقى الخطرُ متعلقاً بمرحلةِ ما بعد الحربِ عن مصيرِ هؤلاء الأفراد الذين امتهنوا استخدامَ السلاحِ وبحثهم عن مموّلين جددٍ يحاربون لصالحهم في ميادين جديدةٍ، إذ يصعبُ تفكيكُ هذه الفرقِ وتسليمُها سلاحَها وإعادةُ تأهيلها وإدماجُها بالمجتمعاتِ، وستشكّلُ قنابلَ موقوتةً يحتملُ انفجارها بأيّ زمانٍ ومكانٍ.
الارتزاقُ أو البنادقُ المأجورة هو شكلٌ من الإرهابِ العابر للحدود ومصدرُ تخوّفِ الدولِ بعد انتهاءِ المهمةِ، وفيما جسّدت “داعش” نموذجَ ذلك، فإنّ إدلب تضمُ الآلاف من الجهاديين متعددي الجنسياتِ وبخاصةٍ ممن ينحدرون من دولِ الاتحادِ الروسيّ (الشيشان والأوبك والداغستان والأنغوش)، إضافة للإيغور الصينيين وجنسياتٍ أوروبيّةٍ وعربيّةٍ.