المرأة الكردية في الإعلام… حضورٌ يزداد قوّة

ليلان جمال –

تحظى المؤسسات الإعلامية في روج آفا وشمال سوريا وفي مدن كردستان عموماً, بإقبال كبير من الفتيات الكرديات اللواتي ينظرن إلى الإعلام نظرة ملؤها الطموح والرغبة في النجاح، في ظلّ التطور المتسارع الذي يواكب الوسائل الإعلامية وتشعّبها، إضافةً إلى بروز دور المواقع الإلكترونية كجزء رئيسي من الإعلام. وإن دلّ ذلك على شيء، فإنما يدلّ على انفتاح المسار الإعلامي أمام المرأة الكردية بكلّ أقسامه وتفرّعاته، بعدما أصبحت تتسلّح بشهادة وخبرة تفتح لها الكثير من الأبواب تماماً كما الرجل، لا بل تطمح أحياناً كثيرة إلى الدراسات العليا والمواقع القيادية والإدارية والرئاسة المشتركة؛ لكي تعزّز مهاراتها وإمكاناتها المهنية.

واللافت خلال السنوات الماضية أنّ المرأة الكردية الإعلامية لم تعد أبداً «كومبارس»، أي تعمل في الظلّ، بل أصبحت جزءاً من المشهد الإعلامي، فهناك إعلاميات تألقن واجتهدن في تغطية الأحداث بروج آفا التي تعرضت وماتزال تتعرض لهجمات المجموعات الإرهابية المرتزقة، فعلى رغم ما تحمله هذه المهنة من أخطار ومتاعب؛ استطاعت المرأة الكردية أن تثبت جدارتها في الميدان الصحفي والإعلامي منافسةً للرجل في ذلك ومتفوقةً عليه بعض الأحيان.

كما وصلت المرأة الكردية إلى إدارة مؤسسات إعلامية عدة، وتواجه صعوبات عدة ضمن مجالها؛ فما المكاسب الفعلية التي حقّقتها المرأة الكردية في القطاع الإعلامي حتّى الآن؟ وأي عوائق ما زالت تعترض طريقها؟..

واقع… ومرتجى

شهدت روج آفا تقدماً لافتاً في صناعة وتطور الإعلام، إذ استطاعت حركة المجتمع الكردستاني الاهتمام بالمجتمع الكردستاني ومنظمات المجتمع المدني بحشد الطاقات والإبداعات الشبابية وتشجيع المرأة الكردستانية على العمل الإعلامي بكلّ وضوح سواء عبر الإذاعة أو التلفزيون أو الصحف أو المواقع الإلكترونية. وأيضاً نهجت حركة المجتمع الديمقراطي في روج آفا المنهج نفسه. ولكن؛ بخطوات متواضعة معتمدة على مهارات مهنية عفوية فطرية, كما أن الحرب ضد القوى الظلامية التكفيرية التي دحرتها وحدات حماية المرأة ووحدات حماية الشعب أكسبتها خبرة إعلامية كبيرة لوجودها وحضورها الدائم في ميدان المعارك ونقلها بمصداقية وبثها مباشرة, وقد برزت أسماء أنثوية كثيرة في مراكز القرار بعد عملهن جنباً لجنب مع الرجل بالرئاسة المشتركة في كافة المؤسسات والصحف الإعلامية وغيرها. لكن؛ في المقابل ما زالت المرأة الكردية تعيش في مجتمع شرقي ذكوري وتواجه الكثير من المصاعب، منها معارضة قسم كبير من الرجال لعملها الذي يتطلّب إجراء مقابلات واتصالات هاتفية، كما تواجه الإعلاميات مشكلة رفض بعض الرجال لقاءهن؛ كونهم لا يقبلون بالاختلاط مع المرأة خاصة في باشور كردستان ويعود ذلك لسيطرة الفكر الديني الإسلامي على المجتمع هناك، وهذا ما ينعكس سلباً على المرأة الإعلامية وعلى المتخرّجات حديثاً من كليات الإعلام، إذ يجدن أنفسهن أحياناً محبطات تجاه هذا الواقع.

أما في باكور كردستان ومناطق روج آفا؛ فإن حركة المجتمع الديمقراطي ومنظومة المجتمع الكردستاني تبذلان الجهود من أجل تطوير وتشجيع العمل الصحفي والإعلامي وإفساح المجال للمرأة الصحفية، ففي دراسة تحليلية حول واقع المرأة الصحافية في عموم كردستان، تبيّنّ أنّ نسبة الإعلاميات في مجلس النقابة والمراكز القيادية في باشور كردستان لا تبلغ سوى 15%، بينما في باكور كردستان وروج آفا 50%، وذلك لاعتماد الرئاسة المشتركة في كل المؤسسات الإعلامية وغيرها، وفي روج آفا لوحظ أن الإعلاميات والإعلاميون في المؤسسات الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية  لعبوا دوراً كبيراً في تأدية واجبهم الإعلامي وسط ظروف صعبة؛ أدت إلى استشهاد بعض الإعلاميين والإعلاميات، فخلال الأزمة والحرب السورية وما تشهده روج آفا على وجه الخصوص انتفضت المرأة الكردية من سباتها شاهرةً قلمها وإبداعها، فأصبحت مراسلة ومحررة ومذيعة ومقدّمة ومساعدة مخرج، ودخلت مواقعاً جديدة في المؤسسات الإعلامية، وبخاصة القسم الفنّي، والإعداد والتقديم، ورئاسة إحدى المحطّات بروج آفا. ولكي تتوصل المرأة الكردية إلى موقع القرار، لا بدّ أن يستند ذلك إلى قاعدة واسعة من الحضور النسائي في مختلف المواقع، لكي يكون موقعها في الإدارة طبيعياً وليس استثناءً.

وانطلاقاً من هذه المعطيات، يجب ألا يُنظر إلى مسألة وجود المرأة في الإعلام الكردستاني من الناحية الكمّية فقط، بل هناك ضرورة للبحث في نوعية هذا الوجود، وإذا ما كانت المرأة مشاركة فعليّاً في صناعة القرار الإعلامي أم أنه ما زال القرار في يد الرجال فقط!!.

ومن هنا نقول صحيح أنّ المرأة الكردية قد خطت الخطوات الأولى لإثبات نفسها في القطاع الإعلامي، إلا أنّ رحلة الألف ميل ما زالت أمامها، وهي ليست سهلة بالتأكيد في ظلّ التحديات التي تواجهها، إضافةً إلى المعتقدات السائدة والأفكار المسبقة عن عمل المرأة في الإعلام.