سوريا لن تعود إلى ما قبل 2011

نوري سعيد –

لو أن الحادثة التي جرت في درعا من قِبل حمزة الخطيب ورفاقه مرت بسلام وتمت محاسبة الجناة مِن قِبل الأجهزة الأمنية للنظام السوري، لما امتدت الاحتجاجات لبقية مناطق سوريا، ولو لم يتبنى النظام خيار القمع بلغة السلاح منذ بداية الحراك الشعبي في مواجهة المتظاهرين؛ لاقتصرت المطالب على الإصلاحات فقط. ولو حدث الانتقال السياسي السلمي للسلطة، ولولا لجوء المعارضة إلى بعض الدول التي لعبت دوراً سلبياً في عسكرة الثورة السورية، مما استدعى التدخلات الدولية والإقليمية، وما حصل كل ما نعاني منه حتى الآن من قتل وتدمير وظهور الإرهاب والتهجير وتدمير البنى التحتية للبلد؛ لأنه استُغِل كل ذلك في سبيل المصالح ليس إلا. ولكن؛ مع كل ذلك؛ فأن الذين يعولون على أن تعود سوريا كما كانت دولة مركزية كسابق عهدها فهم واهمون؛ لأنه لم يعد هناك ما يمكنه البناء عليه فكل المشاهدات تقول لا يمكن العودة إلى ما قبل 2011، والشعب السوري لم يعد يرضى بسلطة حاكمة قمعية تتدخل في كل شاردة وواردة. وبناءً على ذلك؛ فالمجتمع الدولي لا يمكنه أيضاً القبول بعودة سوريا إلى دولة مركزية تُحكم بالقبضة الحديدية، وهناك الكثير من المحاولات من القوى المتآمرة لجرِّ الشعب السوري إلى الاقتتال الطائفي والمذهبي والعرقي. ولكن؛ وجود خصوصية التأصل والعيش المشترك في مكونات سوريا أفشلت جميع تلك المحاولات. وكان التدخل السوري بقواته العسكرية والأمنية في لبنان ومحاولته في عام 1975 التدخل من أجل وقف الحرب الأهلية في لبنان، كان له هدف من هذا التدخل، وهدفه في ذلك الحين كان من أجل ألا تنتقل عدوى الحرب الطائفية إليها، وكذلك وقف النظام السوري ضد نظام صدام حسين الذي استخدم الكيماوي ضد شعبنا الكردي في باشور كردستان، والذي راح ضحيته آلاف الشهداء أيضاً للأسباب الآنفة الذِكر. ولكن؛ المؤسف أن نظل نحن السوريين حتى الآن عاجزين عن إيجاد حل لأزمتنا وأن يستقوي علينا كل طرف مرتبط بالدول الإقليمية وبخاصة تركيا، مع إدراك الجميع أن تلك الجهات لا تهمها سوى مصالحها وهي التي تهمها بالدرجة الأولى. من هنا لا بد لنا جميعاً جعل مصلحة الوطن فوق الاعتبارات الأخرى كافة والكف عن التشهير والكف عن سيل الاتهامات التي نوجهها لبعضنا البعض؛ لأننا سوريون ومشروع الحل الذي يتبناه مجلس سوريا الديمقراطية والذي يتلخص باللامركزية الديمقراطية، سيكون نموذجاً تحتذي به الأطراف الأخرى كونه يُعدُّ مشروعاً واقعياً وبعيداً عن أي تقسيم أو مس بسيادة الوطن، وليس كما يروّج له البعض.

إن عقد مؤتمر وطني سوري على الأرض السورية وفي مناطق الإدارة الذاتية يتساوى في ظله الجميع بالحقوق والواجبات، ويخفف العبء على المركز ويطالب بمشاركة الكل في اللجنة الدستورية لصياغة دستور جديد، يضمن حقوق المكونات كافة، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تحت إشراف هيئات دولية، وأن يكون الهدف بناء سوريا المستقبل، وهي الخطوة المُثلى في التخلص من النظام المركزي؛ كونه السبب في كل ما حصل من مآسي في سوريا واعتماد اللامركزية في الإدارة، أما إذا بقي كل طرف يتهم الآخر بالعمالة واللا وطنية فسوف ندور في حلقة مفرغة يمكنها أن تُضيع كل الجهود الرامية باتجاه الحلول. وعلينا كسوريين أن نثبت للعالم أننا قادرون على التوحد وأن نعيد ألق سوريا الغابر بلد الأعراق والطوائف والمذاهب المتآخية، ونحن عازمون على إفشال جميع المخططات التي تحاك ضدنا في الغرف المظلمة، وبالمحبة والتشاركية ووحدة الصف ستكون الغلبة لنا.