يضحك طويلاً من يضحك أخيراً

رفيق ابراهيم –

إن ما يحصل على الساحة السورية يشبه الدراما التلفزيونية، ومجموعة الممثلين والمخرجين واللاعبين والكومبارس هم من يؤثرون فيها بشكل جلّي وكبير، بحيث يلهث الجميع ومع كل أسف وراء مصالحه متناسياً آلام وتبِعات الحرب المدمرة الدائرة في سوريا على مدار ثماني سنوات خلت، حيث لعب الشعب السوري دور الضحية في تلك الدراما، فالكل جاء ليدمر سوريا ويقتل السوريين ليحقق مكاسبه الخاصة التي يريد تحقيقها. ولكن؛ الشيء الذي يحزُّ بالنفس هو وجود البعض من السوريين الذين تعاملوا مع بعض الدول الإقليمية وتخلو عن وطنيتهم السورية وعن إنسانيتهم وارتموا في أحضان تركيا وبعض الدول الخليجية، فلعبت بهم كما تشاء وأرادت أن تحقق من خلالهم ما كانت تصبوا إليه، وبالفعل لعبت بهم كما أرادت. وبعدما تدخل الروس لصالح النظام وحقق ما أراد على الأرض السورية وأعاد الكثير من المناطق إلى النظام السوري، وتخلت تلك الدول عن هؤلاء المرتزقة وباتوا يتسكعون في فنادق إسطنبول وبعض العواصم الخليجية طالبين ما تيسر من متطلبات العيش والرفاهية لهم ولعوائلهم، متخليين عما كانوا يطالبون به من تغيير النظام السوري والتغيير السياسي وغيرها من الأمور الأخرى، وحسب وعود سيدهم في أنقرة، وحتى مجاميعهم العسكرية لم يعد لها أي أثر بعدما سيطرت تركيا على مصدر قرارهم. وجمعتهم في إدلب والمدن المحتلة الأخرى جرابلس الباب إعزاز وعفرين لغايةٍ في نفسها الأمارة بالسوء، وهم الآن لا يمتلكون أي إرادة لأنهم سلموا أنفسهم لأردوغان والدولة التركية، التي تهددهم بين الفينة والأخرى بقطع الإمدادات عنهم، ما لم ينفذون مطالبها وباتوا كالقطط التي تتلقف الفتات على المزابل التركية التي قد تلفظهم في أي لحظة وتتركهم بعدما تحقق المراد منهم وبخاصة أن العلاقة التركية الروسية التي تحسنت في الآونة الأخيرة نتيجة تقديم تركيا التنازلات على حساب هؤلاء الذين رضوا بالتبعية والموالاة وبيع الكرامة والأرض والشرف لأردوغان وأمثاله، الذين لا يهتمون بدماء السوريين التي تُراق منذ ثماني سنوات خلت.

 لقد بات الصراع في سوريا وعلى سوريا من أشد الأزمات التي استعصى حلها على القوى الدولية، نتيجة تقاطع مصالحها على الساحة السورية؛ فالنظام لا يمكنه تحقيق أي شيء إلا بمساعدة الإيرانيين والمليشيات الموالية لها من حزب الله وفيلق القدس وغيرها، ومن خلفهم الروس الذين كان لهم الكلمة الفصل في عدم سقوط النظام السوري، وهم الذين باتوا يديرون الملف السوري من بابه لمحرابه. وهم الذين ضربوا بعرض الحائط الكثير من القرارات الدولية التي صدرت من مجلس الأمن وغيرها، من القرارات التي أدانت النظام السوري، أليس الروس هم الذين باعوا جرابلس والباب وإعزاز وعفرين وقدموها على طبق من ذهب للطغاة الأتراك؟ الذين يفكرون وحتى هذه اللحظة بعودة المنطقة إلى ما كانت عليها قبل خمسة قرون خلت، ولم يعد خافياً للقاصي والداني تحكم الروس بجميع مفاصل الدولة في سوريا، حيث أصبحت روسيا الآمر الناهي والمقرر فيما يجري على الساحة السورية وهذا واضح للعيان. وفي الطرف الآخر هناك التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تتأنى في اتخاذ القرارات التي قد تؤدي إلى الذهاب باتجاه الحلول السياسية، مع أن الجميع متفقون بأن لا حل عسكري يؤدي إلى إنهاء الأزمة. ولكن؛ ليس هناك من وسائل ضغط على النظام وحليفها الروسي للقبول بسلك ذلك الطريق الذي لا بد منه في النهاية. وبالمقابل تركيا أيضاً لا تريد أن تنتهي الأزمة قبل أن تحقق ما تخطط له وبخاصة ضرب المشروع الديمقراطي في شمال سوريا، هذا المشروع الذي تتخوف منه تركيا وترعبها تداعيته التي يمكنها أن تكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لها. والمسألة الأخرى هي مساعيها في قضم المزيد من الأراضي السورية وضمها إلى المدن المحتلة التي احتلتها سابقاً، وقبل الاتفاق الدولي على الحل في سوريا. ولذلك؛ فهي لها حساباتها الخاصة في ذلك. ولهذا؛ لا يمر يوم إلا وتهدد مناطق شرقي الفرات، وهي تأخذ في الحسبان أيضاً الحساب لما بعد الانتهاء من داعش وكيف ستؤول الأمور إليه في تلك المنطقة. والتهديدات التركية تصب باتجاه خدمة المرتزقة بمناوشاتها على الحدود مع روج آفا وشمال سوريا، وأيضاً لها هدف وهو الإبقاء على الحرب الدائرة في سوريا ودعم المرتزقة كي تحقق من خلالهم ما تريد، والجميع يعرف الدور التركي السلبي التي لعبته في الثماني سنوات الماضية من عمر الأزمة السورية، وتركيا تعلم تماماً أن اتفقت الدول والقوى الكبرى على الوصول لحل في سوريا سيكون وضعها صعباً للغاية لأنها ستكون الخاسر الأكبر جراء ذلك، فمن جهة ستكون قد خسرت المناطق التي احتلتها، ومن الجانب الآخر ستخسر مصداقيتها وهي بالفعل خسرتها عندما كذبت على السوريين طوال السنين الماضية من عمر الأزمة في سوريا.