دجوار أحمد آغا-
هي قارة جديدة مقارنةً بقارات العالم القديم (آسيا – أوروبا – إفريقيا) إنها أمريكا الجنوبية التي كانت في معظمها مستعمرات لإسبانيا والبرتغال، فالاستعمار هذه الظاهرة التي انتشرت في العالم، حيث تقوم من خلالها القوى صاحبة السلطة والنفوذ بفرض سيطرتها على مناطق وشعوب أخرى لم تتمكن من تهيئة وتنظيم نفسها كقوة بعد, وتعيش حياة بسيطة طبيعية, أي بمعنى آخر, الاستعمار هو السيطرة والتحكم بُمقدرات شعب ما وإخضاعه لمشيئة المستعمر وهو ما حصل مع معظم دول العالم القديم الحديث على حدٍ سواء من جانب عدة دول مستعمرة (إسبانيا – البرتغال – إنكلترا – فرنسا – هولندا).
إن محرر أمريكا الجنوبية من الاستعمار والأب الروحي للعديد من دولها وبشكل خاص هذه الدول (فنزويلا – كولومبيا – الإكوادور – البيرو- بوليفيا ) هو سيمون بوليفار
فمن هو بوليفار هذا وماذا فعل لكي يُخلد اسمه في التاريخ؟!.
دعونا في البداية نتعرف على بوليفار، هو ابن عائلة ثرية فنزويلية من أصل إسباني ولد في كاراكاس عاصمة فنزويلا بتاريخ 24/ تموز/ 1783 وبعد ولادته بثلاث سنوات توفي والده ولحقت به أمه بعد ست سنوات, أي أنه في عمر التاسعة أصبح يتيم الأبويين، تكفّل عمه برعايته وتربيته، حيث أرسله في عمر السادسة عشر إلى أوروبا ليتلقى العلوم عاش هناك ثلاث سنوات تعرف خلالها على فكر وفلسفة جان جاك روسو (1712 – 1778) أحد رواد النهضة الفكرية والتنويرية في أوروبا تلك الأيام، عاد من إسبانيا مصطحباً معه عروسه التي تزوجها هناك سنة 1802. لم يستقر طويلاً في فنزويلا خاصةً بعد وفاة زوجته الشابة بالحمى والتي أدت إلى توجهه نحو العمل السياسي، حيث نراه يعود مجدداً إلى أوروبا في ذروة صعود نابليون على الساحة الأوروبية سنة 1804 فتوجه إلى باريس وهناك تعرف على أفكار جون لوك وتوماس هوبز ومونتسكيو وغيرهم من رواد النهضة التنويرية, ثم زار ألمانيا والتقى هناك بالعالم الألماني فون همبولت (1767 – 1835) الذي كان قد عاد حديثاً من رحلة إلى أمريكا، حيث أخبر بوليفار بأنه يعتقد إن “المستعمرات الإسبانية ناضجة للاستقلال” استقرت هذه الجملة في أعماق عقل بوليفار الذي صرّح بها علناً لدى زيارته لروما حيث اتخذ قراره بالعمل من أجل تحرير بلاده من الاستعمار الإسباني.
بدأت حركة استقلال أمريكا اللاتينية عملياً بعد غزو نابليون لإسبانيا والذي أدى لزعزعة السلطة الإسبانية في مستعمراتها، حيث شن الثوار حملات مكثفة لإنهاء الاستعمار، وفي 19 نيسان 1810 تم طرد الحاكم الإسباني من فنزويلا التي بدأت فيها الثورة وتولى المجلس العسكري زمام الأمور بقيادة الجنرال المتقاعد دي ميراندا (1750– 1816) الذي كان يعيش في المنفى بعد محاولته الفاشلة لتحرير البلاد بمفرده سنة 1806.
أرسل المجلس العسكري بوليفار إلى لندن بغية الحصول على الدعم والمساعدة العسكرية من إنكلترا (أسلحة وذخائر) إلى جانب السعي لتعريف، وتوضيح الظروف القاسية التي تعيشها المستعمرات الإسبانية وسعيها المتواصل للوصول إلى استقلالها وحريتها.
في آذار 1811 جرى عقد مؤتمر وطني في كاراكاس لوضع دستور للبلاد وألقى بوليفار خطاباً بالمؤتمرين داعياً إلى البدء بالتحرك من أجل حرية البلاد دون خوف أو تردد حيث قال: “دعونا نضع حجر الزاوية للحرية الأمريكية دون خوف، التردد هو الموت “. تمخض الاجتماع عن إعلان استقلال فنزويلا في الخامس من تموز 1811. لكن هذا الاستقلال لم يدم طويلاً فقد سقطت الجمهورية الأولى بتقدم القوات الاستعمارية الإسبانية محققة انتصارات ساحقة على الثوار واعتقالها للجنرال دي ميراندا, عندها خرج بوليفار من فنزويلا متوجهاً إلى جامايكا حيث بعث برسالة من هناك يقول فيها :” الشعب الذي يُحب الحرية سيكون حُراَ في النهاية” وبالفعل بعد عدة محاولات تمكن في النهاية من دخول كاراكاس بتاريخ 6 آب 1813 وأصبح بوليفار محرر فنزويلا من الاستعمار ومنها انطلق إلى تحرير بقية بلدان أمريكا الجنوبية، حيث بتاريخ 7 آب 1819 وفي المعركة الحاسمة بوياكا تمكن بوليفار من تحقيق الانتصار على القوات الإسبانية ودخول مدينة بوغوتا وإعلان جمهورية كولومبيا.
في هذه الأثناء كانت القوات الإسبانية قد دعمت الملكيين في فنزويلا وسيطروا على الجمهورية لكن بوليفار ومن خلال معركة كارابوبو حزيران 1821 فُتحت له أبواب كاراكاس عاصمة فنزويلا من جديد، ثم انطلق إلى تحرير الإكوادور التي حررها بعد معركة بيشانشا الفاصلة في 24 أيار 1822 ثم توجه إلى البيرو التي جمعت بينه وبين المناضل الثوري الأرجنتيني خوسيه دي سان مارتين (1778 – 1850) حيث حرر ليما عاصمة البيرو في كانون الأول 1824.
بعد تحرير بيرو ظلت منطقة في أعالي البلاد بيد القوات الملكية المدعومة من الإسبان ولم يتم تحريرها حتى نيسان عام 1825حيث أصبحت دولة جديدة وقد اختارت لنفسها أن تتسمى على اسم محررها وأصبحت بوليفيا التي هي الآن خامس دولة في أمريكا الجنوبية من حيث المساحة وعاصمتها لاباز.