خبز الصاج… بين بساطة الماضي وتعقيدات الحاضر

روناهي/ الدرباسية ـ

تتميز مناطق شمال وشرق سوريا بشعبيتها وتمسكها بطابعها الفلكلوري، من حيث الأغاني التراثية، والدبكات الفلكلورية، والعادات والتقاليد الشعبية، وخبز الصاج إحدى أهم المهن الفلكلورية. 

“خبز الصاج” أو كما يُقال له باللغة الكردية: (nanê sêlê)، هو رغيف رقيق جداً يخبز عن طريق إضرام النار تحت لوح من (الصاج)، ومن ثم يُفرش الرغيف الرقيق على هذا اللوح ويترك حتى يقترب لونه من الاحمرار.

“خبز الصاج” له طقوس خاصة للأكل، فهو غالباً ما يؤكل مع المأكولات الدسمة مثل المنسف (hemîs).

وتلعب المرأة دوراً مهماً في هذه المهنة, حيث أن أغلب هذه الأفران يتكون طاقم العمل فيها من العنصر النسائي بدءاً من العجن مروراً بالتقطيع وصولاً إلى الخبز، وكما باقي مناطق شمال وشرق سوريا؛ لا تزال ناحية الدرباسية والقرى التابعة لها تحتفظ بمثل هذه العادات الشعبية.

ولمعرفة المزيد عن كيفية صناعة خبز الصاج التقت صحيفتنا “روناهي” مع فصلة إبراهيم المشرفة على أحد أفران خبز الصاج في الدرباسية التي قالت: “خبز الصاج ذو شعبية قديمة في مناطقنا, لذلك قررننا أنا وزوجي افتتاح هذا الفرن لسببين رئيسيين, الأول هو محاولة المحافظة على تراثنا وإحيائه. أما السبب الثاني فهو سبب اقتصادي يعود لسوء حالتنا المادية، فقد افتتحنا هذا الفرن لكي نستطيع العيش من وارداته”.

احتواء أزمة الخبز العادي

وأضافت فصلة: “هذا الخبز ساهم إلى حدٍ كبير في احتواء أزمة الخبز التي ظهرت قبل فترة وجيزة, حيث الأفران الآلية لم تستطع تلبية حاجات الأهالي, فكانوا يلجؤون إلى بعض البدائل لتأمين خبزهم, وكان أحد أهم هذه البدائل خبز الصاج”.

وعن كيفية صنع هذا النوع من الخبز قالت فصلة: “نقوم بعملية العجن صباحاً ونترك العجينة حوالي الساعة لتختمر, ومن ثم نقوم بتقطيعها إلى قطع متساوية الحجم ومن ثم نبدأ بالخَبز، نستمر بالخَبز حتى ساعات متأخرة من الليل, أي أن المواطن يستطيع تأمين هذا الخبز وقت ما يشاء ودون وجود ازدحام على الفرن”.

وتابعت: ” تكمن فائدة الأفران من هذا النوع في تأمين هذه المادة الشعبية للجيل الجديد, حيث أن هذا الجيل يسمع بخبز الصاج، ولكن الكثيرين منهم يجهلون طريقة صنعه، بعكس الجيل الماضي فإن أغلب النسوة كن يعرفن طريقة صنع هذا الخبز, فكن في العزائم التي تقام يخبزن الكمية المطلوبة مهما كانت كبيرة, أما في عزائم هذه الأيام هناك صعوبة في تأمين الكمية المطلوبة من الخبز العادي لتأمين كفاية العزيمة من الخبز, كما إن هذا الخبز يتميز بإمكانية تخزينه لفترة طولية دون أن يفسد مثل الخبز العادي”.

صعوبات وعراقيل، ومطالبة بحلول

ولكن وكما باقي المهن, هناك صعوبات وعراقيل تواجه أصحاب هذه المهنة مما يدفعهم إلى المطالبة بإيجاد حلول لمشاكلهم.

وفي هذا الصدد تحدثت فصلة إبراهيم: “كنا نشتري كيس الطحين الذي يزن 50 كغ بـ 30 ألف ليرة سورية، ولكن الآن سعر الكيس أصبح 45 ألف, أضف إلى ذلك ثمن المازوت والكهرباء وأجرة المحلات التي نستأجرها لتحويلها إلى أفران, هذه الأعباء دفعتنا لرفع سعر الخبز، فأصبحنا نبيع ثمانية أرغفة بـ 1000 ليرة سورية, وهذا يثقل كاهلنا وكاهل المواطن معاً, فالعاملات مثلاً يقبضن ثلاثة آلاف في حال كان عملهن حتى الساعة 12 ظهراً, ولكن في الكثير من الأحيان يعملن حتى بعد هذه الساعة فيتقاضون حوالي خمسة آلاف ليرة, أي أننا هذه الأيام بالكاد نستطيع تأمين رغيف الخبز, وخاصةً أننا نعيش أنا وزوجي ووالدته وأخته وستة أولاد, كما أن الشعب يظن بأننا نحن السبب في غلاء سعر الخبز, هم لا يعلمون التكاليف التي ننفقها حتى نؤمن هذه المادة”.

فصلة إبراهيم اختتمت حديثها بالقول: “مطلبنا الوحيد هو محاولة خفض سعر كيس الطحين, لأن سعره الجديد يزيد من أعبائنا وأعباء المواطنين العاديين, حيث أنه مع انخفاض سعر الطحين نستطيع زيادة الإنتاج، وبالتالي سنتمكن من تلبية حاجات المدينة والريف, لأن تخفيض سعر الطحين يؤدي إلى انخفاض سعر الخبز تلقائياً، وبالتالي يصبح المواطن قادراً على شرائه”.