سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الحركة العمرانية في قامشلو… مخطط تنظيمي أم عشوائية في التنفيذ..؟!

قامشلو/ عادل عزيز –

تشهد مختلف أحياء مدينة قامشلو طفرة كبيرة في نشاط البناء والإعمار على عكس مناطق أخرى في سوريا، لكن هل يتم ذلك عبر مخطط تنظيمي مدروس يراعي التوافق بين البنى التحتية المتهالكة في المدينة والزيادة السكنية، أم أن عشوائية العمل هي سيدة الموقف؟!
أصيبت حركة البناء في المنطقة بالشلل خلال السنوات الأولى للأزمة السورية نتيجة الأوضاع الأمنية وعدم الاستقرار إضافة للارتفاع المستمر لأسعار مواد البناء كالإسمنت والحديد وغيرها، وساهم شح الأيدي العاملة نتيجة الهجرة إلى أوروبا منذ سنوات في ضعف الحركة العمرانية.
لكن الوضع تغير اليوم، إذ شهدت مدينة قامشلو حركة عمرانية غير مسبوقة منذ ثلاث سنوات، ولكن هل هذا البناء يسري وفق مخطط تنظيمي أم بشكل عشوائي؟ وهل البنية التحتية من ماء وكهرباء وشبكة الصرف الصحي كافية للإعمار المتزايد؟
الجزيرة الخضراء… كتل إسمنتية
فخلال عام واحد 2020، منحت بلدية الشعب في قامشلو وحدها 320 رخصة بناء، أي أن أكثر من ثلاثمئة بيت شعبي (حوش) هُدم ليقام مكانه عمارات (بيانات) مختلفة الطوابق، لكن تشهد هذه المشاريع العمرانية مخالفات جمة ربما لا تستطيع البلديات وحدها ضبطها أيضاً.
لكن يبدو أن هذا التوسع العمراني في مدينة قامشلو يسير بخطى متسارعة، دونما وجود مخطط تنظيمي يراعي الكثافة السكانية ومدى قدرة البنى التحتية المتوفرة بتلبية احتياجات المجمعات السكنية هذه، وفي هذا يقول المهندس المدني “زكي سعدو” أن التوسع القائم اليوم يسير بسرعة هائلة، لكن بشكلٍ عشوائي ويفتقد لدراسات دقيقة ومتكاملة. ووفق نظر سعدو يفتقر برنامج التوسع العمراني لجدول زمني يتناسب والحالة الاقتصادية والاجتماعية لمدينة قامشلو (الجزيرة الخضراء) وتابع بالقول “إن هذه الثورة العمرانية تفتقد كثيراً إلى الجودة الفنية فأعمارها لا تكاد تصل إلى نصف العمر الزمني المقرر لها، ومنها أقل بكثير، لذا أسميها ولد ميت”.
ويتفق سعدو مع عدد آخر من المهندسين المدنيين والمعماريين في أن هذا التوسع غير المحدود لا يتناسب مع حجم ونوعية شبكة الصرف الصحي التي باتت لا تحتمل زيادة سكانية في وحدة المساحة.
حيث كان عدد السكان عام 1960 م عشرات الآلاف، والآن يناهز عدد القاطنين بقامشلو الميلون نسمة، ولا بد من تجديد شبكة الصرف الصحي لكافة أجزاء المدينة والتي تقدر مساحتها حالياً بـ 50 كيلو متر مربع.
البلدية تمتنع
توجهنا إلى بلدية الشعب في قامشلو للتعرف على المخطط التنظيمي للمدينة والذي على أساسه تعطي تراخيص البناء والمشاريع العمرانية المختلفة، لكن القسم الفني في البلدية، وللأسف، امتنع عن إعطاء معلومات مفيدة أو إطلاعنا على المخطط التنظيمي، وهو ما يؤكد أن تراخيص البناء تعطى بشكلٍ كيفي دونما الاعتماد على مخطط تنموي شامل يراعى فيها التوافق بين هشاشة البنى التحتية والخدمات الأخرى والحركة العمرانية المتزايدة بشدة.
إعادة النظر بنظام الضابطة
الرئيس المشترك لاتحاد المهندسين بقامشلو “هيثم مراد” أوضح أن البناء العشوائي ومخالفات البناء في تزايد، وهي بحاجة إلى دراسة متكاملة وتحليل معمق للوصول إلى الأسباب الحقيقية وسبل الحل, وأحد أبرز الأسباب هو نظام ضابطة البناء نفسه كونه أصبح قديماً وغير مواكب للمرحلة, وعجز المخططات التنظيمية عن مواكبة التزايد السكاني, ويمكن ملاحظة الفرق بشكل واضح بين المدن الكبيرة والصغيرة من حيث نسب المخالفات، حيث أن مقارنة بسيطة بين قامشلو وتربه سبيه ستوضح الصورة نوعاً ما.
لذا يُشير مراد إلى أن تشديد المراقبة والمحاسبة على الأطراف المخالفة من متعهدين ومالكي عقارات لن تجدي ما لم يتم إعادة النظر في نظام ضابطة البناء، وتطوير المخططات التنظيمية وتوسيعها حسب احتياجات المرحلة.
وحول الحلول لهذه المشكلة فقد قال “نحن نعمل حالياً مع هيئة الإدارة المحلية والبيئة للمشاركة في حل هذا الجزء من المشكلة كبداية لحل المشكلة ككل”.
مع تزايد مشاريع البناء زاد الطلب على المواد المستخدمة، وهذه الزيادة تكون على حساب السعر أحياناً والجودة أحياناً أخرى أو كليهما، وقال مراد “المهم هنا توفيرها واختبارها محلياً قدر الإمكان كما ذكرت سابقاً، وضمن هذا التوجه هناك نقاش حول تعاون اتحاد المهندسين مع جامعة روج آفا لإنشاء مختبرات مواد بناء حسب الإمكانات المتوفرة”.
وينحصر عمل اتحاد المهندسين اليوم بالمصادقة على وثائق الدراسات الهندسية لتلك المشاريع الخاصة وبعض المشاريع العامة التي تتم المصادقة عليها وإعطاء الرخص لإقامتها من قبل البلديات والمديريات المعنية، وبعد التدقيق والتأكد من مطابقة تلك المخططات والدراسات والحسابات للشروط والمواصفات المعمول بها، ولنظام ضابطة البناء للمدينة أو البلدة تضاف إلى الإضبارة المقدمة إلى البلدية لنيل الرخصة.
أزمة سكنية
ورغم هذه الحركة العمرانية، تشهد المدينة والمنطقة برمتها أزمة سكن، وتضاعف إيجارات المنازل مئات الأضعاف عما سبق بعقد من الزمن، ويربط المهندس المدني زكي سعدو، هذه المشكلة بجشع التجار وارتفاع أسعار الشقق السكنية عن حدها المقبول والكلفة الحقيقة لها، وقال “رغم وجود حركة عمرانية قوية في مدينة قامشلو إلا أنه لا زلنا نعاني من أزمة سكنية تفعل فعلها، وهذه المعادلة تتناسب عكسياً مع بعضها البعض”.
ويورد سعدو مثلاً حول تكاليف تشييد الشقق السكنية، وسعر المبيع اليوم، ويرى سعدو أن المتعهد يستفيد أضعاف مضاعفة وهو ما يزيد من أسعار الشقق خمسة أضعاف عن سعر التكلفة، لذا لا قدرة لدى الشعب على الشراء ويلجأ الغالبية العظمى للاستئجار وهو ما يزيد من أزمة السكن هذه.
هل البنية الجيولوجيا متينة؟
وبالتجوال ضمن أحياء المدينة في قامشلو، يبدو الاختلاف واضحاً في شكل الأبنية وعدد الطوابق المسموح تشييدها، ويتم ذلك وفق قوانين محددة للبلدية، لكن هل لذلك علاقة بالبنية الجيولوجية لتربة المدينة أم ماذا؟
المهندس “زكي سعدو” يجيب بالقول “إن البنية الجيولوجية أو طبقات الأرض لمدينة قامشلو تتحمل أكثر من خمسة طوابق بل تتحمل أبنية برجية لكون تعدد الطوابق مرتبط بالدرجة الأولى بنوع الأساسات ابتداء من القواعد المنعزلة والمستمرة ومن ثم الحصيرة والأساسات القائمة على الأوتاد” ويورد مثالاً عن وجود أبنية عدة ارتفاعها يتجاوز السبعة عشر متراً، أي ما يتجاوز خمسة طوابق وهي ماثلة أمام الأعين.