السويداء بين التهميش والجوع والعطش وحلم الإدارة الذاتية

كريم إبراهيم-

السويداء المدينة الجميلة الوادعة، تاريخها عريق بالكرامة والنخوة والضيافة والكرم والثقافة، لم تعد الآن كما كانت، فالمدينة بدأت تعاني الجوع والعطش والخطف وسرقة السيارات والممتلكات من قبل الشبيحة (ميليشيات الدفاع الوطني) والميليشيا التابعة لوئام وهاب المدعوم من حزب الله اللبناني، ومجموعات خارجة عن القانون والحساب والعقاب، وهي مرتبطة بفروع الأمن العسكري ولها غطاء من مشيخة العقل المتحالفة مع النظام في دمشق، والتي وقفت عبر تاريخها بعد السبعينات عائقاً أمام الحركة الفكرية الثقافية العلمانية والديمقراطية وخاصة في مدينة شهبا وصلخد التابعتين للسويداء.

عندما يسير المرء الآن في شوارع السويداء ومناطقها وقراها يشاهد معالم الغضب والجوع والفقر والعطش، فلم تعد تشم رائحة الهيل والقهوة العربية الأصلية، ولم تعد تشاهد المضافات ممتلئة بالضيوف، هناك فقط طوابير الناس على الأفران وعلى محطات الوقود، حيث يستمر النظام بمعاقبة السويداء بالتجويع والعطش وحرمان الناس من حفر الآبار، رغم أن المخزون المائي كبير وموجود في منطقة اللجاة بالسويداء، وكل ما حصل ويحصل كان سببه أن السويداء شاركت بالثورة السورية، وتضامنت مع بقية المدن السورية، ورفضت تجنيد شبابها مع النظام الذي يقتل السوريين، وإنما فقط للدفاع عن المحافظة وريفها تحت شعار (أرض وعرض)، الذي رفعه تجمع رجال الكرامة الذي أسسه الشهيد وحيد البلعوس، وكذلك عدم تسليم السلاح للنظام وفرض كف يد الأجهزة الأمنية وإلغاء الحواجز رغماً عن أنف النظام، ورفض ظاهرة التشييع التي تقودها إيران في المنطقة التي تهدف لتدمير التاريخ الوطني والثقافي العريق في السويداء كما في كل أنحاء سوريا.

كل ذلك دفع بهجرة أعداد كبيرة من المدينة طلباً للحياة والعيش وكثرت أعداد الطلاب الذين تركوا الجامعات بسبب خوفهم من الاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية، وانتشرت ظاهرة تعاطي المخدرات بشكل كبير وخاصة في المدارس الإعدادية والثانوية، حيث يباع الحشيش علناً وبأسعار رخيصة وأحياناً يوزع مجاناً من قبل شبيحة النظام وغيرهم، الذين يأتون بالحشيش والسيارات المسروقة من لبنان برعاية حزب الله اللبناني والميليشيات الإيرانية، يضاف إلى ذلك مأساة أخرى لأهل الجبل وهو رفض مصر لاستلام تفاح السويداء الذي تم تصديره إلى مصر، بسبب تأثير المبيدات الحشرية السام والمضر بالصحة، وهذا المبيد الحشري تم استقدامه من لبنان للنظام، والذي بدوره باعه للمزارعين الذي ألقى عبئاً ثقيلاً على المزارعين، وهنا يجب التذكير بأن أغلب سكان الجبل يعيشون على مواسم العنب والتفاح والكرز والزيتون والتين، إلا أن أغلب الأشجار بدأت تنقرض بسبب قلة المياه وفقدان المحروقات للجرارات والآليات الزراعية، وفي ظل هذه التطورات الخطيرة على مستقبل السويداء لابد أن نسأل سؤالاً مهماً جداً، هل تم التقاعس فعلاً والهروب للوراء من فكرة إنجاز وإعلان الإدارة الذاتية والضغط من أجل فتح المعابر مع الأردن؟ هذا المشروع الذي يحمي سوريا من التقسم، ويحسن الوضع الاقتصادي للسويداء خاصة أن النظام في أعلى مراحل ضعفه وفشله في إنجاز أي خطوة تحمي السوريين، وكذلك تبني أغلب المثقفين والوطنيين وتجمع رجال الكرامة لهذه الخطوة رغم بعض الخروقات الأمنية بحقهم، وكذلك الأصوات التي بدأت تعلو مؤيدة لهذه التجربة في كل من اللاذقية وحماة وحتى إدلب، الرازحة تحت سطوة التيارات الدينية والاحتلال التركي، وهذه الأصوات بدأت تتوضح بأن اللامركزية وحكم كل مدينة من قبل أهلها يقطع الطريق على تقسيم سوريا.

وهنا نذكر أن هذه الخطوة ستلقى دعماً من كل من لديه إحساس وطني ديمقراطي في سوريا وخارجها، فهل يصبح هذا الحلم حقيقة؟