حنانيا… أقدم كنيسة دمشقية بعراقة رومانية

في حارة حنانيا وبين باب توما وباب شرقي في دمشق، وبالقرب من شارع مدحت باشا وعبر سلالم حجرية يصل المرء إلى أقدم وأهم كنيسة في دمشق وهي “كنيسة القديس حنانيا الرسول”.

وتعتبر الكنيسة من أقدم الكنائس في دمشق بعد الكتدرائية المريمية ومن أقدم كنائس العالم في الحقبة الرومانية، وفي حي باب توما العريق والمعروف بخصوصيته المسيحية ويمتد تاريخه لأكثر من ألفي عام.

والأرجح أن القديس “حنانيا” دمشقي مجهول مكان الولادة وكان من المبشرين بالمسيحية، سافر حنانيا إلى عدة جهات مبشراً بالإنجيل، واحتمل أشد الاضطهاد والعذاب، وقُبض عليه في عهد ليكينوس الوالي الروماني، وجُلد بأعصاب البقر، ومزق لحمه، ثم رجم بالحجارة حتى مات. والكنيسة كما يذكر الكاتب حبيب الزيات مقامة على انقاض معبد وثني وجُدد بناؤها في زمن الوليد بن عبد الملك، والقديس حنانيا هو أول أساقفة دمشق.

 نمط البناء وجماليته

الكنيسة مبنية على النمط الدمشقي الأرثوذكسي، أرضيتها مبلّطة بالبلاط المجزّع الكبير بفواصل سوداء لها ثلاثة أروقة، كل منها محمول على ثلاثة أعمدة مربعة الشكل تتكئ عليها الشعرية، فيها (أيقونسطاس) خشبي غير محفور بثلاثة أبواب ملوكيّة، وفي أعلاه وتحت سقف الكنيسة مباشرة وضعت رايتان روسيتان جميلتان، واحدة للسيد والثانية للسيدة والسقف مماثل لسقوف البيوت العربية الدمشقية الشهيرة في سوريا المسقوفة بأشجار الحور والصفصاف، وفي وسط الكنيسة تنتشر مقاعد الزائرين في الأروقة الثلاثة، بالإضافة إلى صف من المقاعد الجدارية الخشبية على محيط الكنيسة، وعرشين: أحدهما بطريركي والثاني أسقفي.

وكنيسة حنانيا هي عبارة عن بناء شرقي دمشقي يمتد حائطه الجنوبي حيث الباب في زقاق القرشي والتي كانت مجمعاً متكاملاً يحوي بالإضافة إلى الكنيسة “دار مدرسة حنانيا الرسول المختلطة الابتدائية”، وجمعية “حب الرحمة” الخيرية. نجد أن الحائط قد تغيرت معالمه الأساسية ويتضح ذلك من الحجر البازلتي الأسود الذي بني به مع الكنيسة والذي اختفى إبان الترميم تحت الطبقة الإسمنتية المدهونة باللون الأبيض الداكن، أما في الداخل فتتضح المعالم التاريخية القديمة لبناء الكنيسة.

عند الدخول إلى حرم الكنيسة الداخلي الجنوبي تقابلك ساحة سماوية بسيطة تشبه مثيلاتها من البيوت الدمشقية، ومن الجهتين الشرقية والغربية غرف أرضية وأخرى عليا، والكنيسة مربعة الشكل مؤلفة من طبقة أرضية وشعرية للنساء وقبة مربعة، يحيط بها من جانبيها الجنوبي والشمالي فناء أو فسحة سماوية، أما جانبها الغربي فهو عبارة عن دهليز مسقوف يتسع قليلاً ويؤدي إلى درج الشعرية، بجانب هذا الدرج بئر الجرسية، وفيه برج الجرسية الإسمنتي، وقد كان خشبياً جميلاً، ولكنه كان آيلاً للسقوط، فاستبدل إبان الترميم عام (1983) ببرج إسمنتي يظهر من بعيد بوضوح.

أعيد بناء الكنيسة في الأعلى عام 1815 وتعود الكنيسة القديمة إلى الفترة الرومانية أكثر من ألفي سنة كانت معبداً وتحولت إلى كنيسة يطلق عليها (بيت حنانيا) وما زالت محافظة على معالمها الأثرية القديمة، والكنيسة القديمة كما هي.

وتقع الكنيسة تحت مستوى سطح الأرض، وتعمّد في هذه الكنيسة بولس الرسول على يد القديس حنانيا أو يوحنا الدمشقي وقد رممت أول مرة عام 700 / 712م ورممت عدة مرات بعد ذلك.

وهكذا حافظت هذه الكنيسة التي تعد من أقدم الكنائس على أصالتها رغم توالي القرون فبقيت دمشقية الروح في زخارفها وتزييناتها الحجرية والخشبية وفي طرازها المعماري وبنائها وتقسيماتها لتغدو نقطة مضيئة في تاريخ دمشق تحكي قصة الحب الأزلي بين الله والإنسان من قلب أحد أحيائها العريقة الموغلة في القدم.