عيد الناير… رأس السنة الأمازيغية “طقوس العطاء والبقاء”

إعداد/ عبد الرحمن محمد-

تعتبر الأعياد القومية والدينية من أبرز سمات الشعوب وأكثرها تعبيراً عن مكنونات ثقافتها ودلالة على هويتها، وقد ارتبطت هذه الأعياد في غالب الأحيان بأساطير وملاحم وأحداث فارقة، وكانت الطبيعة وتبدلاتها حاضرة في العديد منها، ومن هذه الأعياد عيد “ناير” الأمازيغي الذي تحتفل به الشعوب الأمازيغية بغض النظر عن الجغرافيا والمكان.

 في أصل الكلمة يفسر العديد من العارفين باللغة الأمازيغية أن الكلمة مكونة من مقطعين في أصلها وهي “ين” ومعناها الأول أو واحد، و”آيير” ومعناها شهر، أما تاريخ العيد فهو اليوم الثالث عشر من كانون الثاني في كل عام حسب التقويم الأمازيغي والذي يتأخر عن التقويم الميلادي بثلاثة عشر يوماً، كما هو التقويم الشرقي المعتمد لدى الإيزيديين.

نظرة تاريخية

تختلف الرواية التاريخية في أصل العيد وسببه كما في العديد من الاعياد والمناسبات الاجتماعية، سواء الدينية منها أو القومية، والسائد في التعريف بالعيد وتاريخه أنه يعود إلى تاريخ اليوم الذي انتصر فيه الأمازيغ على المصريين في أيام الفراعنة بقيادة ملكهم “شيشنق- شيشناق” وتأسيس الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين، التي حكمت مصر من 950 ق.م إلى 817 ق.م.

 أما الرواية الثانية فتقول بأن للعيد ارتباطاً وثيقاَ بالثقافة الزراعية والنتاج الطبيعي وإن له دلالات وثيقة بتبدلات الطبيعة وحلول الشتاء المطير والتفاؤل بالخير، وهو عيد ذو دلالات مرتبطة بالطبيعة والزراعة والفلاحة والخصوبة، واحترام الطبيعة الأم، وقد كان للعيد طقوس وثنية، ذلك أنه سبق مرحلة ظهور المسيحية والإسلام، ولكنها قلّت وتم إقامتها بما لا يتعارض وتعاليم الأديان السماوية وهُذب بعضها.

 يؤكد الكثير من المؤرخين صحة انتصار الملك الأمازيغي شيشنق على فرعون مصر، وأن الملك الأمازيغي شخصية تاريخية حقيقية، وقد تحدثت عنها مصادر مصرية ويهودية، وهناك العديد من الشواهد التاريخية كالمسلات المتواجدة في معبد الكرنك التي تتحدث عنه بل وإن ذكره ورد في التوراة وأنه وصل إلى القدس وسيطر عليها بعد تولي الحكم والسيطرة على مصر عام 950 قبل الميلاد.

طقوس الناير الاحتفالية

ما زالت الكثير من الطقوس الاحتفالية الخاصة بعيد الناير ثابتة لم تتغير، وتتشابه رغم اتساع الرقعة الجغرافية، فيما تختلف اختلافاً بسيطاً بين بعض البلدان وحتى بين بعض الولايات أو المدن في الدولة لواحدة، فبينما يحتفل الجزائريون بالعيد في الثاني عشر من شهر كانون الثاني تحتفل به المملكة المغربية في الثالث عشر منه، وهناك اختلاف طفيف في طقوس الاحتفال بين مدن وولايات البلد الواحد.

تتسم أغلب الطقوس الاحتفالية بالطابع الزراعي الفلاحي، ووقد ترتقي بعض الطقوس إلى ما يشبه الطقوس الوثنية التي وجد البعض فيها انتقاداً وتوصيفاً للأعياد بأنها أعياد وثنية طالبوا بمنعها، لأن العيد يرجع في نشأته وطقوسه إلى ما يقارب الألف عام قبل الميلاد وقد هُذبت بل واختفت بعض الطقوس لتلائم الطابع الإسلامي السائد في بلاد المغرب العربي بشكل عام.

عيد ناير فرصة لتلاقي شرائح المجتمع وتنشيط للذاكرة الأمازيغية المجتمعية، والطقوس والاحتفالات كثيرة ومتنوعة وغنية، ففيما تكتظ الأسواق والمحال بما لذَّ وطاب من الفواكه والتمور والمكسرات والحلويات والجوز واللوز وأصناف الفواكه المجففة والحلويات المعدة خصيصاً للمناسبة، تكتسي واجهات البيوت وأسطحها بحلة خضراء من أغصان الزيتون والخضروات ذات الأوراق الغضة أملاً بالخير الوفير والموسم المطير الذي يجلب البركة والغلال.

وفي الجزائر وبعد إعلان الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية عام 2016 وإعلان عيد الناير يوم عطلة رسمية مدفوعة الأجر بات العيد يأخذ أهمية كبيرة ويستقطب جماهير أوسع وفعاليات أشمل، وتوزع أكياس “الدقاق” التي تحوي التين المجفف والفول السوداني وبعض قطع الحلوى على الكبار والصغار، وجرت العادة أنه يجب أكل محتويات الكيس كلها لأنها تحمل الخير والبركة ولا يجب رمي شيء منها، فيما يتم سلق القمح بالملح، يسمى “الشرشم”، وقد يخلط بالحلوى ويوزع على الجميع فيما تحضر في الشرق الجزائري ما يسمى “الروينة” أو “الرفيس” وهو عبارة عن قمح مشوي يُطحن، ويُعجن بالسمن العربي أو زيت الزيتون، ويُحلى بالعسل، كذلك يعرف من أطباق العيد الأساسية الـ “تمغطال” وطبق الـ “كُسكسي” الشهير، حيث وبتاريخ 16 كانون الاول 2020، خلال الدورة الخامسة عشرة في اللجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي التابع لمنظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم (اليونيسكو)، تم إدراج الكسكس والمعارف الخاصة بإنتاجه واستهلاكه ضمن قائمة التراث اللامادي الإنساني لدول المغرب العربي (تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا)، كذلك يقدم طبق “تاكلا” في المغرب، إلى جانب أطباق “أوركيمن” و”إينودا”، ويجب أن يشارك الجميع في تناول وجبة العشاء حتى لا يبقى جائعاً طوال العام، وتكون مناسبة لنبذ الخلافات والمصالحة بين المتخاصمين.

تراجع الطقوس الوثنية وتهذيب بعضٍ منها

لأن العيد يعود ببداياته كما أسلفنا إلى ما يقارب الثلاثة آلاف عام فإنه ثمة طقوساً تبدو وثنية ودفعت البعض إلى وصفها بالطقوس التكفيرية ولذك فقد تم التخفيف من تلك الطقوس نوعاً ما، ومن تلك الطقوس أنه يجب إرضاء الأرواح التي تحضر تلك الليلة، ويجب أن يقدم لها ديك أو أرنب، ويجب ألا تغسل قدور الطعام ولا الصحون والملاعق، ولا كنس البيت ولا التلفظ بكلمات بذيئة، كي لا تغادر الأرواح الطيبة المكان، ويتم تنظيف المواقد من الرماد السابق، وتغطى الأطعمة والأواني التي تخزن فيها المياه، بينما يتم تهشيم وكسر الرمان على ذراع المحراث من قبل رب البيت لتتناثر حبات الرمان ويتكاثر الخير، ويحث الماشية والحيوانات للتحرك وإصدار أصواتها كي يعمها الخير وتكثر بركات السنة القادمة.

كذلك تشمل الاحتفالات نشاطات ثقافية اجتماعية تتمثل في الاحتفالات الكبيرة وإقامة سباقات الخيول وحلقات الرقص الشعبي والغناء التراثي، ومن مظاهر الاحتفال بالسنة الأمازيغية عند الأمازيغ المغاربة مثلاً وضع عصي طويلة من القصب في الحقول تفاؤلاً بمحصول زراعي جيد، بينما يقطف الأطفال الزهور ويرتدون ملابس جديدة، وتكتمل بحلاقة الشعر، ومن العادات المتبعة توزيع لحم الذبائح على ميسوري الحال وتسمى بـ “لوزيعة”، وتزرع في الريف أشجار الزيتون، وتتردد لآلاف المرات عبارة ينتظرها الجميع بشوق “أسقاس أمغاز-ASSGHASS AMEGHAZ”. وتعني سنة سعيدة.

يذكر أن المغرب أعلن الامازيغية لغة رسمية ثانية في البلاد منذ عام 2011م، وما زالت منظمات مدنية وسياسية تطالب باعتماد يوم الثالث عشر من كانون الثاني يوم عطلة وعيداً رسميا في البلاد.

عيد الناير طقوس احتفالية تبين عمق الأصالة والارتباط بالأرض والطبيعة وتقديس عمل الخير والدعوة للحب والتسامح وحب الطبيعة والدعوة إلى حمايتها وزرع بذور الخير في النفوس لأنها تنتج دوماً المحبة والسلام وفي كافة الأمكنة والأزمنة.