No Result
View All Result
المشاهدات 1
رفيق إبراهيم-
في السياسة ليس هناك صديق دائم ولا عدو دائم، وما يجري حولنا من أحداث يؤكد مقولتنا هذه، ومن المسلّم به أن المصالح هي التي تتحكم بما يجري على سطح الكرة الأرضية، ولأن المصالح تأتي في الدرجة الأولى في وضع السياسات العامة للدول، فإن سياسات الدول والحكومات تتغير مع تغير تلك المصالح. وهذا ما لاحظناه خلال الأزمة السورية ونحن المعنيين بها وفي صلب موضوعها، وخير مثال نورده هنا تلك السياسة التي يتبعها الروس والأتراك على الساحة السورية، وكيف تغيرت المواقف بعدما وصلت الأمور إلى نقطة الصفر بينهما عندما أسقطت تركيا الطائرة الروسية، ومن ثم قتلت سفيرهم في تركيا، شاهدنا كيف تأزمت العلاقات لتصل لدرجة الغليان والإنذار بحرب، فظن الجميع بأن ساعة الصفر قد دقت وأن الرد الروسي سيكون قاسياً جداً، لرد اعتبارها وهيبتها وانتهاك سيادتها التي تمرغت بالتراب.
لكن وكما قلنا بأن سياسات الدول تنتهي عندما تبدأ سياسة المصالح، وشعور تركيا بخطورة موقفها السياسي والعسكري من خلال تصريحات المسؤولين العسكريين والسياسيين الروس، حول محاسبة تركيا وكيفية الرد على اساءتها للروس وهيبتها وتصنيفها بين دول العالم الكبرى، عندما أقدمت على اسقاط الطائرة العسكرية الروسية واستهانت بها عبر اقدامها على قتل سفيرها واهانتها للمرة الثانية.
وهنا كان لا بد أن تفكر تركيا بطريقة ما للخروج من عنق الزجاجة التي بات يضق عليها يوماً بعد يوم والورطة الكبرى التي وقعت بها، وبعد شد وجذب توصلت بأنه بعد هذا الموقف الحرج عليها تقديم التنازلات للروس، والتي جاءت على حساب حلف الناتو والغرب وشعوب المنطقة، وبخاصة أن بوتين لا يمكن اللعب معه، وأن تركيا غير مهيأة لخوض غمار حرب غير محمودة العواقب، ونتائجها معروفة سلفاً. وبخاصة أن الأوضاع الاقتصادية المتردية في الداخل التركي لا تتحمل المصاريف باهظة الثمن لحربٍ الخاسر فيها هو الشعب التركي، الذي لم يعد يحتمل أعباء السياسة الفاشلة للرئيس التركي وحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم، ليثور في وجه سياسات أردوغان وطغمته الحاكمة، التي لم يعد يهمها سوى الحفاظ على كرسي الحكم والتحكم بمصير الشعب التركي.
ولأن كرسي الحكم في تركيا بدأ يهتز وجميع الطرق سدت أمام أردوغان تنازل للروس في سوريا، وكلنا يعلم كيف بِيْعَ المرتزقة الموالون له وأخرجوا من حلب وحمص والغوطة ودرعا وغيرها، كل ذلك من أجل إرضاء الروس، هذا من جهة، ومن الناحية الأخرى كان هناك تنازلٌ على مستوى العلاقات مع الغرب وحلف الناتو وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. حيث عقدت صفقة إس 400 مع الروس في ضرب واضح للعلاقات مع الناتو ومع الغرب والأوروبيين، فساءت العلاقات على حساب تحسن العلاقات مع الروس، في تنازل مخذل ومخزي.
هذه هي تركيا التي يتبجحون بالحديث عنها وعن تطورها وتقدمها، هذه هي تركيا التي تنازلت عن حقوقها عند تعرضها لأول هزة ولأول امتحان حقيقي، وهذه هي السياسة التي تتخذ المصالح بالدرجة الأولى، حتى ولو كانت على حساب دماء الشعوب وتدمير المدن وقتل الإنسانية، وبيع القيم والأخلاق والمبادئ، حيث لا صديق دائم ولا عدو دائم.
No Result
View All Result