سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

ربُّ السيفِ والقلمِ… محمود سامي البارودي

إعداد/ مريم الخوري –

لا يَتْرُكُ الْحُبُّ قَلْبِي مِنْ لَواعِجِهِ … كَأَنَّمَا بَيْنَ قَلْبِي وَالْهَوَى نَسَبُ
لا يكاد يُذكر البارودي إلا ويُذكر معه هذا البيت من الشعر كأن واحداً منهما يدل على الآخر.
محمود سامي بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري 1838-1904م. رائد مدرسة البعث والإحياء في الشعر العربي الحديث، وهو أحد زعماء الثورة العرابية. تولى وزارة الحربية ثم رئاسة الوزراء باختيار الثوار لهُ، ولقب برب السيف والقلم.
البارودي من أصول شركسية، مات أبوه وكان حينئذ في السابعة من عمره. وحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ النحو والصرف ودرس شيئاً من الفقه والتاريخ والحساب، ثم التحق بالمرحلة التجهيزية من المدرسة الحربية المفروزة وانتظم فيها يدرس فنون الحرب، وعلوم الدين واللغة والحساب والجبر، بدأ يظهر شغفًا بالشعر العربي وشعرائه الفحول.
تكمن وظيفة الشعر عند البارودي في: تهذيب النفوس، وتدريب الأفهام وتنبيه الخواطر إلى مكارم الأخلاق. وقد تأثر شعر البارودي بالنهضة الأدبية في العصر الحديث والتي أظهرت الاختلافات بين القديم والجديد.
عمل بوزارة الخارجية وسافر إلى الأستانة عام 1857م حيث تمكن في أثناء إقامته هناك من إتقان التركية والفارسية ومطالعة آدابهما، وحفظ كثيرًا من أشعارهما، وأعانته إجادته للغة التركية والفارسية على العمل في الخارجية التركية حينها.
عُيِّنَ مديرًا لمحافظة الشرقية في عام 1878م. ثم محافظاً للقاهرة بعد فترة قصيرة.
نشطت الحركة الوطنية وتحركت الصحافة، وظهر تيار الوعي الذي يقوده “جمال الدين الأفغاني” لإنقاذ العالم الإسلامي من الاستعمار، وفي هذه الأجواء المشتعلة تنطلق قيثارة البارودي بقصيدة ثائرة تصرخ في أمته، توقظ النائم وتنبه الغافل، وهي قصيدة طويلة، منها:
“جلبت أشطر هذا الدهر تجربة
وذقت ما فيه من صابٍ ومن عسل
فما وجدت على الأيام باقية
أشهى إلى النفس من حرية العمل
لكننا غرض للشر في زمن
أهل العقول به في طاعة الخمل
قامت به من رجال السوء طائفة
أدهى على النفس من بؤس على ثكل
ذلت بهم مصر بعد العز واضطربت
قواعد الملك حتى ظل في خلل”
وحُكِم على البارودي وستة من زملائه بالإعدام، ثم خُفف، في الثالث من كانون الأول 1882، إلى النفي المؤبد إلى جزيرة سرنديب (سريلانكا).
نفي إلى مدينة كولومبو عاصمة سيريلانكا حالياً لسبعة عشر عاماً وعانى الوحدة والمرض والغربة عن وطنه، فسجّل كل ذلك في شعره النابع من ألمه وحنينه. وفي المنفى شغل البارودي نفسه بتعلم الإنجليزية حتى أتقنها، وانصرف إلى تعليم أهل الجزيرة اللغة العربية.
ثم عاد إلى مصر يوم 12 أيلول 1899م وكانت فرحته غامرة بعودته إلى الوطن وأنشد أنشودة العودة التي قال في مستهلها:
“أبابلُ رأي العين أم هذه مصرُ
فإني أرى فيها عيوناً هي السحرُ”
بعد عودته إلى القاهرة ترك العمل السياسي، وفتح بيته للأدباء والشعراء، يستمع إليهم، ويسمعون منه، وكان على رأسهم شوقي وحافظ ومطران، وإسماعيل صبري، وقد تأثروا به ونسجوا على منواله، فخطوا بالشعر خطوات واسعة، وأُطلق عليهم “مدرسة النهضة” أو “مدرسة الإحياء”. توفي البارودي في 12 كانون الأول 1904م بعد سلسلة من الكفاح والنضال من أجل استقلال مصر وحريتها وعزتها.
من آثاره: ديوان شعر في جزئين. مجموعات شعرية سُميّت مختارات البارودي، جمع فيها مقتطفات لثلاثين شاعراً من الشعر العبّاسي، مختارات من النثر تُسمّى قيد الأوابد.
نظم البارودي مطولة في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، تقع في أربعمائة وسبعة وأربعين بيتاً، وقد جارى فيها قصيدة البردة، قافية ووزناً، وسماها كشف الغمّة في مدح سيّد الأمة.