ضفاف المعرفة/ الكتاب: سطور منسية عن حياة المجتمع الكوجري

 الكاتب: حسين شاويش –

عبد الرحمن محمد –

لحياة “الكوجر” انطباعات ورؤى خاصة، ولكل مفردة من مفردات حياتهم طقوس ونواميس تتجلى من خلالها عمق التوحد مع الطبيعة، والالتصاق بكل حجرة من حجارة الوطن، والامتزاج بكل نقطة ماء، ومعانقة الروح لكل نجمة في سمائه.

فالكوجر يعرفون الطبيعة البكر بعفويتها، ولا يعترفون بالخطوط التي تُرسم على الورق لتمزق أشلاء الطبيعة الأم وتتسمى بأسماء عدة، بل انهم يكرهون ما يُعرف بجوازات السفر، فالطبيعة أمهم، ولا يحق لأحد أن يحد من بر الولد بالوالدين، ولا يحبذون “الهويات” التي ترسم دوائر من حولهم، فهم يرونها تنافي الحياة الطبيعية والشرعية للإنسان، والأرض مقدسة ولا يمكن للإنسان أن يمتلكها فيما تخص الآلهة.

في كتاب” سطور منسية عن حياة المجتمع الكوجري” من الكتب التي تبحث عن حلول للمشاكل العالقة التي تعاني منها المجموعات العرقية والعشائرية والدينية، كما انه محاولة لتصحيح الكثير مما نسب لتك المجموعات عبر أعمال وكتابات كتبت بيد “مؤرخي السلطة” بعد ان اصبحت المعلومة متوفرة والبحث التاريخي متاحاً للغالبية من الناس.

بعد مقدمة ليست بالطويلة ومدخل يشير إلى أهمية ومحتوى الكتاب نقرأ العديد من الموضوعات الهامة في الكتاب وتمر معنا العديد من العناوين اللافتة في محتوى الكتاب الذي ضم قرابة 180 صفحة من القطع الوسط وطبع في مطبعة “شلير للنشر” في قامشلو وبرعاية اتحاد مثقفي الجزيرة ونشر عام 2018م.

يتحدث الكاتب في بداية الكتاب عن وضع الكوجر الميران من الناحية الدينية والثقافية، معتمداً في ذلك على رواية المعمرين العارفين بتاريخ وثقافة المنطقة، وفي التفاصيل التي يرويها نرى ان كوجر ميران كانوا يعتنقون الزردشتية الأيزيدية، وكانوا متشبعين بها رغم انشغالهم بحياتهم اليومية القاسية وتنقلهم وايلائهم الأولوية لمقتضيات وضرورات الحياة اليومية، ومنهم عائلة رئيس عشيرة ميران “مصطفى باشا ميراني” التي كانت تعتنق الزردشتية.

ويشير الكاتب إلى ان الكوجر لم يكونوا “محافظين” دينياً بسبب نمط الحياة المتنقلة غير المرتبطة بأرض معينة، وانهم منفتحين على الجماعات الدينية والثقافية متقبلين للآخر. وقد حملوا الكثير من ثقافة وفن بوطان العريقة والأصيلة.

في جانب آخر يمر بنا الكاتب على اللباس التراثي للرجل والمرأة ومفروشات البيت وتسمياتها وأقسامها، بل إنَّه يورد أسماء ما يخص لوازم فرش قيادة دواب الركوب، كالحمير والبغال، وما يخص لوازم الخيل وتسمياتها، وأدوات المطبخ وأهم أنواع الأطعمة والطبخ الشعبي، ثم يعرج على الأغنيات والمواويل الشعبية الأصيلة، وبعض من الأمثلة الشعبية التي يتداولها الكوجر فيما بينهم.

في باب آخر يتناول الكتاب جوانب من التباين فيما يخص “العشيرة والطبقية” والتباين والتقارب بين المسميين ومدلولهما ويسوق العديد من الأمثلة حول علاقات بعض الآغوات ورؤساء العشائر فيما بينهم والفرق بين “العشائرية والطبقية في المجتمع وبخاصة فيما يخص الكوجر ويقول: “يمكن القول: إنَّ العشيرة وبحكم طبيعتها الموضوعية وتطورها بشكل طبيعي على روابط الدم والقرابة، والثقافة المحلية والقبلية، متناقضة مع الطبقية والدولة ولا تطابقها”.

ثم يتناول الكتاب جانبا هاماً من حياة الكوجر ويشير الة الفلكلور واللغة عند كوجر الميران ويشير إلى دور الطبيعة بكل جوانبها في الفلكلور والتراث واللغة، والتي كان لها عميق الأثر في الغناء والفنون الشعبية والتراث الكوجري، والغناء البوطاني وما يحوية من “حيرانوك، سرلوك، باييزوك، برويته، وخزموك” وغيرها.

لا يفغل الكاتب عن جانب هام وهي العلاقات مع الجوار وفيها يشير إلى العلاقات الودية المسالمة وحسن الجوار الغالب على العلاقة بين الكوجر والقبائل العربية التي كانت تتوصل معها وتخالطها، ويورد العديد من الامثلة التي وقفت فيها قبائل عربية وكردية إلى جانب بعضها في حالات إنسانية كثيرة، ويورد بعض الدراسات التي توثق ذلك.

الكتاب يحوي عشرات المواضيع التي يمكن لكل موضوع منها أن يكون بحثا قيماً ودراسة واسعة لشعوب المنطقة وعاداتها وتقاليدها وعلاقاتها وفيه إشارات كثيرة لشخصيات وأحداث لا بد من معرفة المزيد عنها ومن هنا القيمة التاريخية والثقافية للكتاب التي لا بد من دراسات متوسعة ومختصة لأغلب أبوابه وفصوله.

الكاتب حسين شاويش من مواليد عام 1958م في قرية بروج التابعة لديركا حمكو في إقليم الجزيرة، انتقل إلى مدينة ديرك، حيث تابع دراسته الإعدادية وأنهى دراسته الثانوية في مدينة قامشلو، انتقل إلى دمشق وانتسب إلى كلية الزراعة فيها، انتسب إلى الحزب اليساري الاشتراكي وفي 1982م  تعرّف على حزب العمال الكردستاني ومارس عمله النضالي بين صفوف الجماهير بنشر فكر التحرُّر الوطني الكردستاني، اعتقل عام 1990 في تركيا وأمضى خمسة عشر عاماً في السجن، ثم عاد إلى جبال كردستان ثانيةً ليستأنف نضاله وفي 2016م ، واستشهد إثر حادث سير وهو في مهمة نضالية في روج آفا بتاريخ 20-7-2016م.