فايز السراج …. استقالة أم إقالة؟!

دجوار أحمد آغا –

كل المؤشرات تدل على تخبط التدخل التركي في ليبيا من خلال دعم حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج, هذه الحكومة التي تشكلت في 17 /12/2015 بناء على اتفاق سياسي بين الفرقاء الليبيين وحظيت بتأييد واسع من المجتمع الدولي, واعتبرت وقتها المدخل إلى حل الأزمة الليبية. لكن فيما بعد أخذت هذه الحكومة تسير في منحى مختلف عما اتفق عليه الفرقاء, مما حدا بالمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي المدعوم من مجلس النواب الليبي في طبرق والذي تسيطر قواته على معظم أراضي ليبيا من الشرق حتى الجنوب وجزء من الغرب أيضاً, إلى الانسحاب من هذه التشكيلة الحكومية التي أصبحت تسير وفق مشيئة وأجندات الغير وعلى وجه الخصوص تركيا وقطر.

ما تفعله تركيا في الأزمة الليبية وبتمويل قطري واضح، هو أنها انتهكت كافة قرارات مجلس الأمن، ولا سيما القرار رقم 1973 والقرار رقم 1970 الخاص بحظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، عندما شرعت الحكومة التركية بتهريب الأسلحة إلى حكومة الوفاق الوطني. وهي بذلك تنتهك مبادئ الأمم المتحدة، خاصة مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، حيث تتدخل تركيا في العديد من الدول، مثل سوريا وليبيا والعراق وغيرها من الدول، وتشكل هذه التدخلات تهديداً رئيساً في تحقيق الأمن والسلم على المستوى الدولي، وتقويض استقرار المنطقة ككل.

إعلان فايز السراجةعن رغبته في تسليم السلطة نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل, جاء لأسباب كثيرة، منها المظاهرات والمسيرات الحاشدة التي اندلعت في طرابلس العاصمة احتجاجاً على تدهور الوضع المعيشي وتدني مستوى الخدمات في البنية التحتية، سواء الكهرباء أو المياه أو المحروقات, لا سيما وأن ليبيا تعد من الدول الغنية بالنفط، إلى جانب الفوضى العارمة التي تعصف بمناطق سيطرة حكومة السراج من مختلف المليشيات العسكرية والتي لم تعد تطيع السراج بقدر ما ترتهن لتعليمات تركيا وقطر كونهما الممولين الأساسين لهم, بالإضافة إلى جلب تركيا لعشرات الآلاف من المرتزقة السوريين على وجه الخصوص إلى ليبيا لمحاربة الجيش الوطني الليبي. لكن الحدث الأبرز الذي حدا بالسراج إلى اعتزامه تسليم السلطة يكمن في موقف أنقرة الداعم لوزير الداخلية في حكومة السراج فتحي باشاغا ذي الأصول التركية, وذلك عندما قرر السراج إقالة باشاغا على خلفية استخدام ميلشياته العنف المفرط تجاه المتظاهرين في طرابلس إلى جانب زيارته إلى تركيا دون علم السراج, لكن تركيا دعت السراج إلى التراجع عن قرار الإقالة وكذلك العودة وبقوة السلاح بمرافقة المئات من المرتزقة أتباع باشاغا وهم من ميلشيات مصراته – كونه ابن المنطقة – حيث كان واضحاً أن تركيا تسعى وتعمل من أجل وضع باشاغا محل السراج لأنها استهلكته تماماً.

السراج نفسه تحدث في خطابه عن أجواء الصراع التي يعمل في إطارها وقال أنّ حكومته “لم تكن تعمل في أجواء طبيعية منذ تشكليها حيث كانت تتعرض كل يوم للمكائد داخلياً وخارجياً، ما جعلنا نواجه مشاكل وصعوبات جمة في أداء واجباتنا”. ويتضح من كلام السراج أنه كان مسيراً ولم يكن يستطع أن يتجاوز ما هو مرسوم له حيث نرى بأن وزير الدفاع بحكومته صلاح النمروش يُصرح عن “بدء تنفيذ برامج لبناء وتطوير الجيش التابع لحكومته بمساعدة تركيا”، وفي الطرف الآخر نرى أحمد معتيق نائب السراج يعلن عن التوصل لاتفاق مع المشير خليفة حفتر لاستئناف تصدير النفط المتوقف منذ أكثر من تسعة أشهر.

السراج الذي حقق مكاسب هامة جداً لتركيا من خلال إبرامه لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية والتي تنقب بموجبها تركيا الآن في البحر المتوسط, هذه الاتفاقية التي جاءت مقابل تقديم تركيا الدعم العسكري  لحكومة السراج في مواجهة قوات الجيش الوطني الليبي. من مصلحة تركيا وقطر ألا يتم التوصل إلى اتفاق سلام بين الفرقاء الليبيين وهي تعمل جاهدة على ذلك كما هو الحال معنا هنا في شمال وشرق سوريا، إذ كلما اقتربنا من تحقيق اتفاق لتوحيد الجهود من أجل الوصول إلى حل سلمي للأزمة السورية تقوم تركيا بتأجيج الخلافات بين الفرقاء ساعية إلى إفشال الحوار. هذه السياسة التي تتبعها حكومة ما يسمى بـ”العدالة والتنمية” – وهي بريئة من العدالة والتنمية – هي سياسة خلق مشكلات في الخارج ودول الجوار من أجل إشغال المجتمع التركي عما يجري في الداخل التركي من ممارسات قمعية بحق المعارضين السياسيين لسياسة أردوغان وزمرته .

تتوضح لنا الرؤية أكثر عندما نتابع الحوار الليبي الليبي سواء في المغرب أو في القاهرة ونلاحظ مدى امتعاض واستياء تركيا من هكذا حوارات ولقاءات, فهي لا تريد الخير للشعب الليبي, إنما تعمل وفق مصالحها وأجندتها التي تسعى من خلالها إلى إعادة بناء الإمبراطورية العثمانية، هذه الفكرة التي تعشعش في أذهان أردوغان وأزلامه كونه يعيش مرحلة جنون العظمة ويحاول جاهداً أن يبرز نفسه كزعيم وخليفة للمسلمين السنة في مواجهة السعودية ومصر القادة الفعليين للمسلمين في العالم .