موهبة مميزة أضحت لصاحبها مهنةً يقتات منها

تقرير/ غزال العمر  –

روناهي / جل آغا- ألوانٌ وريشة؛ دهان ومسطرة؛ دلو وفرشاة وأصابع سحرية؛ بهذه الأدوات البسيطة يستغل محمد الجمعة موهبته التي امتهنها دون دراسة ولا تخطيط؛ لتصبح فناً احترافياً مع الأيام يفرغ من خلالها كل ما هو جميل في هذه الحياة بلوحات جدارية تستهوي الناظر وتريح النفس، والروح؛ لتشعر وكأنك في وسط غابة وطبيعة جغرافية حقيقية.

مواهب يخص القدر بها أصحابها فأما أن يستغلوها ويستثمرونها، وإما أن يهملوها ولا يحسنوا الاستفادة من نعمة ربما تجلب لهم الرزق والسعادة؛ لتصبح مصدر عيشهم وكسب قوتهم بالإضافة لكونها ثروة بين أيديهم تزداد جمالاً وروعةً.

الرسم الجداري يعود للعصر الحجري..

الرسم الجداري (الغرافيتي)، فن يعود للعصر الحجري؛ حيث كان القدماء يرسمون على جدران الكهوف صور حياتهم ومعيشتهم؛ ومعاركهم، ونبغ هذا الفن عند المصريين القدماء الذين رسموا على جدران المقابر القديمة؛ ليعد هذا النوع من الرسم من أهم المصادر التاريخية التي حكت اللوحات من خلالها سير شعوب، وخلدت قصصها.

يمارس الرسم الجداري منذ 13 عاماً

 محمد الجمعة شاب يبلغ من العمر خمسة وثلاثون سنة من أهالي منطقة جل آغا يمتهن مهنة الرسم على الجدران منذ ثلاثة عشر عاماً؛ حيث يرسم رسماً جغرافياً طبيعيا ثلاثي الأبعاد ونافراً، وكذلك الرسم بطريقة الظل.

 توجهت صحيفتنا لمكان عمله في أحد البيوت لنقف على طبيعة عمله بشكل مباشر، ونطرح عليه بعض الأسئلة لنعرف عن هذه المهنة الإبداعية أكثر حيث يقول محمد: “لم أكمل دراستي وصلت للصف السادس الابتدائي بتحصيلي العلمي لكني أمتلك موهبة الرسم منذ طفولتي لتستمر معي إلى الآن”.

أما عن نوع رسوماته فقد قال: “أرسم بالألوان الزيتية والمائية حسب رغبة الزبون وذوقه، وأعطي رأيي ببعض الأمور التي تضفي جمالاً على اللوحة”.

أما عن الوقت الذي تستغرقه اللوحات فقد أوضح الجمعة بأن لكلِّ رسمة صعوباتها؛ فالرسم على الجدران يختلف عن الرسم على السقف والرسم الحي ثلاثي الأبعاد يختلف عن الجامد، على حد تعبيره.

خطوات تجهيزية تسبق البدء بالعمل

“يتم اختيار المكان المناسب لرسم الجدارية وتنظيفه بشكل جيَّد، ويفضل أن يكون سطح اللوحة الجدارية مصقولاً، تعد هذه الخطوة الأهم للبدء بالعمل” بحسب قوله.

ليتابع شرح بقية الخطوات قائلاً: “وكخطوة ثانية نستخدم الشريط اللاصق حول مكان إنجاز الجدارية؛ ثم وضع طلاء التأسيس بلون مناسب للألوان المستخدمة في اللوحة، ثم نستعين بمخطط أولي للعمل المُراد إنجازه على ورقة خارجية، لتحديد الأبعاد المناسبة وفقاً لأبعاد الجدار المُراد إنشاء الجدارية عليه”.

ويضيف الجمعة بأنه يختار الألوان المناسبة للبَدْء بعملية التلوين، على أن تكون عملية الطلاء بحذر كي لا تتداخل الألوان مع بعضها، والتوقف بين الحين والآخر كي تجف الألوان؛ وذلك باستخدام الفرشاة المناسبة لكل مرحلة، وكل موضع في اللوحة بما في ذلك عمليات التحديد وبيان الظل حتى الوصول إلى الشكل النهائي لها.

غلاء أسعار المواد أضعف حركة العمل

“قانون قيصر الذي رافقه غلاء فظيع للمواد، والحظر المفروض بسبب وباء كورونا يشكلان عائقاً أمام عملي”. بهذه الكلمات جاوبنا الجمعة على سؤالنا عن مدى تأثر عمله بالأوضاع الاقتصادية الراهنة.

استعداده لتعليم كل شخص يجد في نفسه عشق للريشة

أما عن طموحه وحلمه فقد قال الجمعة: “الموهبة نعمة وهناك أناس موهوبون في كافة مجالات الحياة، ولكن لا يوجد من يحتويهم ويحتضنهم”.

وناشد بدوره الإدارة الذاتية الديمقراطية لفتح مدارس وأكاديميات لهؤلاء الموهوبين؛ لأن مواهبهم تستحق أن تدرس ويتعلمها الآخرين، مؤكداً على مدى استعداده الكبير لتعليم كل شخص يجد في نفسه عشق للريشة والألوان.

مواهب صقلتها الممارسة والمتابعة، ونمتها؛ ليصبح صاحبها مثلاً يحتذى به في الإصرار والطموح على صنع المعجزات رغم ضعف الإمكانيات فطوبى لكل شخص بدأ بالقليل؛ ليحفر له مكاناً مرموقاً تاركاً أثراً وبصمةً في هذه الحياة ستخلد جمال موهبته.