سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

قصيدة الزيتون

عزيز بلو –

كان والدي قبل أن يترك الحقل ينفض حذاءه لكي يبقى تراب الحقل في الحقل. وعندما ذهبت إلى خالي في كرمه وأردت أن أُقبّل يديه قال: “يا بني قبل أن تقبل يدي أريد أن تكسر هذا الحجر”، لبّيت طلبه وزرع مكان الحجر حبة لوز، أصبحت فيما بعد شجرة كبيرة وكنا نجلس في ظلها كلما زرت خالي في كرمه. وكانت أمي إذا تكلمت عن بيارة زيتون تقول كل شجرة تساوي “فدية رجل”. فالأشجار عندنا الحياة نفسها. أما عمي “حبش” فخطر بباله أن يصنع لموتى القرية “سَلَجَة” من خشب الزيتون. حين نودع الميت في قبره نترك على قبره باقة من سعف الزيتون. وأثناء الصلاة كان والدي قِبلته كرمنا رغم أنه كان ينحرف قليلاً عن اتجاه الكعبة. وعندما يقرأ الفلاح الآيات القرآنية جهراً على الصلاة تسمع دائماً.. التين والزيتون وطور سنين . وليس عبثاً قول المفكر السوري بلال حسن أن الصلاة عند فلاحنا هي عادة. وما عليّ الآن إلا أن أكتب لكم عدة أبيات من قصيدة الزيتون وقد دونتها وأنا في عفرين.
والتين والزيتون قول الله في اليقين
لو قدّسوا الإنسان والأشجار في عبادة
هممت أن أسجد للفلاح والزيتون
معصرة الزيتون لو رأيت بالعيون
لقلت نهر النيل لا يبدأ بالعيون
في كل سوق من زيوتي معرض
يحسده اللوفر في حكاية القرون
قارون ما ملكت كنزي في الغنى
كنز الغنى لآلىء الرمان والعطون
كنز الغنى زيتون حقل قريتي
وليس ما رأيت في الأهرام من فرعون
لا بارك الرحمن في حبي إذا
تركت قلبي عاشقاً يضيع في برلين
ما أكثر الذين منّا هاجروا
وودعوا الزيتون بالآهات والآنين
تشتتوا في القارة العجوز حتى كندا
وعاش كالبطريق فرخ المالك الحزين
لو طافوا بالدنيا فما في بالهم
أحلى من المساء في صيف على البلكون
تفاعل الإيمان والإلحاد في شرارة
وانتشر الحريق في البلاد باسم الدين
لم يبق في البلاد سقف واحد
إلا وعاد كومة من الأحجار والبيتون
وامتص نور الله ثقب أسود
ثقوبنا السوداء في الإيمان بالمليون.