منذر أقبيق: نحن مع دولة ديمقراطية لامركزية تعددية

مضمون المفاوضات بين عدد من أقطاب المعارضة السوريّة التي عَقدت جلساتها في القاهرة تجسَّد في مضمون الحوار مع “منذر أقبيق” الناطق الرسميّ باسم “تيار الغد”.
كان دور حكومة مصر الدولة المضيفة والمشاركة في الجلسات تسهيل المفاوضات والعمل على تدوير الزوايا ورعاية المفاوضات بالشكل الكامل إلى أن تمّ التوصل إلى صيغة للاتفاق النهائيّ، والجهة الضامنة له كان الجانب الروسيّ، وهو سيضمن ما تم الاتفاق عليه ولم يكن النظام موجوداً، وكان تيارُ الغد هو الوسيط حيث وقَّع على بنود الاتفاق رئيسُ تيار الغد السيد أحمد الجربا. والجانب الأمريكي الذي له تواجد سياسي وعسكري في شرق الفرات، والجانب الروسي لديه تواجد سياسي وعسكري في غرب الفرات، ولهذا توضحت الملامح بأن كل طرف يقبل بوجود الطرف الآخر على المناطق التي يسيطر عليها، وروسيا تسيطر عليها غرب الفرات وفيها العاصمة والكتلة السكانيّة الأكبر والولايات المتحدة الأمريكيّة ليس لديها أيّ مشكلة فيما تفعله روسيا في المنطقة سواء من الناحية العسكريّة أو السياسيّة، وبالتالي الكرة في الملعب الروسيّ.
الدستور الجديد يجب أن يتناسب مع دولة ديمقراطيّة تعدديّة يوجد فيها تداول سلميّ للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع، ونحن في تيار الغد نؤيّد كثيراً اللامركزية الإداريّة الموسّعة مع إبقاء المواضيع السياديّة والوزرات والسياسات الماليّة وبقاء العلاقات الخارجيّة والجيش وغيرها في عهدة المركز. والشعبان الكُرديّ والعربيّ عاشا معاً لسنوات طويلة، وهناك الكثير من الأمور الاجتماعيّة والثقافيّة والمصاهرة والأخوة التي تجمعهم، ويجب أن تكون المواطنة السوريّة هي الجامعة والعامل المشترك فيما بينهم، ونتطلع إلى أن يكون هناك مستقبل أفضل في مناطق شرق الفرات والشمال السوريّ، وألا يكون هناك من يسيطر ويهيمن على الآخر، فالحوار السياسيّ ضروريّ بين الأطراف كافة للوصول إلى كل الحلول.
جاء ذلك في حوار أجرته آدار برس مع “منذر أقبيق” الناطق الرسميّ باسم “تيار الغد”، حول مفاوضات جمعت عدداً من أقطاب المعارضة في مصر، واللقاء الذي جرى في هلسنكي بين ترامب وبوتين، والمناقشات التي تجري حول الدستور السوريّ الجديد المزمع طرحه، ومواضيع أخرى تتعلق بالشأن السوريّ.
وفيما يلي نص الحوار كاملاً:

-هل لكم التحدث عن الاتفاق الذي تمّ بين الفصائل المعارضة السوريّة في القاهرة، وعن دور مصر كدولة راعية، ودوركم في إتمام ذلك؟
تمّ عقد اتفاقين، الاتفاق الأول يخصُّ منطقة الساحل اللاذقية والتلال والمرتفعات وتحديداً جبل التركمان، هذه المناطق التي تشهد مناوشات بين النظام والمعارضة المسلّحة، وبنود هذا الاتفاق يقضي بوقف إطلاق النار وعودة اللاجئين والنازحين إلى قراهم وبيوتهم، كما تمّ الاتفاق أيضاً على توحيد الجهود لمواجه الإرهاب والمجموعات المتطرفة مثل مرتزقة داعش والنصرة هذا بالنسبة للساحل. وأما ما يخصُّ حمص والريف الشماليّ نتج عن الاتفاق معالجة مخاوف الأهالي، التي ارتكزت على ثلاثة محاور وهي الأسباب التي خلقت مخاوف لدى الأهالي، كخوفهم من الملاحقة الأمنيّة بعد دخول النظام لأنّه معروف بأنّهم عارضوا النظام وبشدة، ولهذا يخافون من التنكيل بهم من قبل بعض الجهات الأمنيّة والانتقام منهم، وارتكاب تجاوزات بحقهم. لذا فقد تمّ تشكيل قوة قوامها ألف عنصر وهذه القوة من فصائل الجيش الحر “جيش التوحيد”، وهم كانوا بالأساس قد وقَّعوا على اتفاق وقف إطلاق النار في القاهرة مع الجانب الروسيّ العام الماضي، وهي قوات معتدلة تريد السلام والحل السياسيّ، وبنفس الوقت هم من أبناء المنطقة وهذا من شأنه أن يخلق لدى الأهالي الراحة والأمان. وهذه القوى مناطٌ بها الحماية وتوفير الأمن والأمان وشُكّلت بالأساس لهذه المهمة، ومن الأمور التي تمّ الاتفاق عليها موضوع النازحين وضمان عودتهم بأمان وبسلام إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم، والأمر الثالث هو الضمانة الروسيّة حيث تمّ التأكيد على أن تكون الوعود جديّة من الجانب الروسيّ، وبخاصة فيما يتعلق بمعالجة قضية المعتقلين من أبناء المنطقة في سجون النظام، وسنرى في المستقبل القريب مدى التزام النظام بهذا البند الأكثر حساسيّة.
الأمر الذي يعارضه النظام ولا يستطيع أن يقدّم تنازلات فيه هو ملف المختفين قسريّاً والمعتقلين في أقبية وسجون المخابرات والجهات الأمنيّة لدى النظام. والمفاوضات عقدت في القاهرة، ومصر كانت الدولة المضيفة وكانت الحكومة المصريّة مشاركة وقد سهّلت المفاوضات وعملت على تدوير الزوايا ورعت المفاوضات رعاية كاملة إلى أن تمّ التوصل إلى الاتفاق النهائيّ، والجهة الضامنة كان الجانب الروسيّ، وهو من سيضمن تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه ولم يكن النظام موجوداً، وتيار الغد هو الوسيط وتم التوقيع على بنود الاتفاق من قبل رئيس تيار الغد السيد أحمد الجربا».

-ما هي قراءتكم السياسيّة للقاء هلسنكي بين كلّ من الرئيسين بوتن وترامب؟
نتائج قمة هلسنكي كانت هزيلة وليست كما كان متوقعاً، وبخاصة فيما يتعلق بالشأن السوريّ فقد جاء الحديث عن إسرائيل وأمنها كموضوع أساسيّ والمصالح المشتركة لروسيا والولايات المتحدة الأمريكيّة، والحضّ على وجود تنسيق وتفاهم عالٍ إسرائيليّ روسيّ، وطبعاً وكما هو المعروف فإسرائيل هي الحليف الأوثق لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط. كما جرى الحديث عن حقن الدماء والتطرق إلى عودة اللاجئين، ولكن الحديث كان عاماً إجماليّاً، حيث لم يتم خوض الحديث حول وجود خارطة طريق معينة للمضي في الحلول السوريّة، ولا حتى تطرق الحديث إلى الانتقال السياسيّ ولا عن بيان جنيف أو قرار مجلس الأمن 2254، أو الحديث عن تفعيل كل هذه الملفات على الأقل في المؤتمر الصحفي الذي عقد في نهاية اللقاء. وما نستطيع أن نفهمه من هذه القمة من الجانب الأمريكي الذي له تواجد سياسي وعسكري في شرق الفرات، والجانب الروسي لديه تواجد سياسي وعسكري في غرب الفرات، أن الملامح قد توضحت نوعاً ما بأن كل طرف يقبل بوجود الطرف الآخر على المناطق التي يسيطر عليها، فروسيا تسيطر عليها غرب الفرات وفيها العاصمة والكتلة السكانيّة الأكبر، والولايات المتحدة الأمريكيّة ليس لديها أيّ مشكلة فيما تفعله روسيا في المنطقة سواء من الناحية العسكريّة والسياسيّة وهي تتواجد في شرق الفرات وبالتالي الكرة في الملعب الروسيّ. التي كانت قد ذهبت باتجاه حوار وطنيّ في (سوتشي) شارك فيه تيار الغد والذي ستنبثق عنه اللجنة الدستوريّة لإجراء إصلاحات دستوريّة من الممكن أن يكون هناك دستور جديد وبالكامل، وبناءً على الإصلاحات الدستوريّة ستذهب البلاد إلى انتخابات تشريعيّة وتنفيذيّة وفقاً للخطة الروسيّة والاتفاق، والأميركيون موافقون على هذه الخطة، وعليه نرى أنّ المسار الدستوريّ في الوقت الحالي هو الساحة المتاحة للقوى الوطنيّة الديمقراطيّة السوريّة المعارضة للنظام الديكتاتوريّ وللنضال من أجل التغيير الديمقراطيّ المنشود الذي نحاول الوصول إليه».

-ما هي التغيرات التي ستعقب لقاء هلسنكي، وبخاصة على الوجود الإيرانيّ في سوريا؟
التصريحات الأمريكيّة بالنسبة للتواجد الإيرانيّ واضحة ولا تحتمل التأويل، وأمريكا فرضت عقوبات كثيرة عليها عبر الشركات والأشخاص وهذه العقوبات دخلت حيّز التنفيذ وستؤثر على الاقتصاد الإيرانيّ بشكلٍ كبير، واشنطن تضغط على طهران اقتصاديّاً وسياسيّاً وكذلك على حلفاء إيران، وأعني هنا روسيا لإخراج ميليشياتها من سوريا وحزب الله اللبنانيّ وكذلك المليشيات العراقيّة والإيرانيّة التي أرسلتها إيران إلى سوريا لتحارب إلى جانب النظام والتي يجب أن تخرج من سوريا. أعتقد أنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة ستستمر بالضغط، وإضافة إلى أنّ إسرائيل تقصف الأهداف الإيرانيّة على الأراضي السوريّة منذ فترة طويلة وبشكل دوريّ ولا يعترض أحد على هذه الضربات وبخاصة روسيا وأمريكا، ويبقى السؤال هل ستخرج إيران من سوريا بهذه البساطة؟ أتصور بأنّ الأمر أصعب من ذلك لأنّها استثمرت مليارات الدولارات في سوريا وبالتالي ستقاوم وبشدّة حتى لا ينحصر نفوذها، لذا فمن الأفضل أن تقتنع إيران وتخرج ولكن لا أتوقَّع بأن يكون بسهولة وبالبساطة التي نتخيلها».

-ما تقييمكم للجنة الدستور التي يتمّ الإعداد لها، وعن مضمون الدستور السوريّ في الحفاظ على حقوق ومكتسبات المكوّنات في سوريا كافة؟
يجب أن يكون الدستور السوريّ الجديد شاملاً ومعالجاً لكل الأخطاء والمشاكل التي حصلت في سوريا منذ انقلاب البعث عام 1963م وما نتج عنه من إقصاء وتهميش للمكونات والحقوق ما أدّى إلى ما نحن فيه منذ ثمانية سنوات، من ممارسات غير إنسانيّة كالاستئثار بالحكم والاستبداد السياسيّ وقمع الحريات وعدم احترام حقوق الانسان وسيادة القانون، عدم احترام التعدديّة، فرض أيديولوجيا معينة على الشعب وإقصاء بعض المكوّنات مثل المكون الكرديّ الذي عانى ما عاناه بسبب السياسات القوميّة. كل تلك الأمور ينبغي معالجتها جميعها عبر وضع دستور جديد يواكب المرحلة ويعطي لكل ذي حقٍ حقه، والدستور الجديد يجب أن يتناسب مع طرح الدولة الديمقراطيّة التعدديّة اللامركزيّة والتي يتمّ فيها تداول سلميّ للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع وانتخابات حرّة وبمراقبة دوليّة، كما يجب أن يكون هناك تتمتع بالحريات السياسيّة، والتوقف عن القمع وعن الاعتقالات التي تمارسها الأجهزة الأمنيّة بدون محاكمة، واحترام حقوق المرأة وفصل السلطات وغيرها، ونحن في تيار الغد مع اللامركزيّة الإداريّة الموسعة مع إبقاء المواضيع السياديّة والوزرات والسياسات الماليّة وبقاء العلاقات الخارجيّة والجيش وغيرها في عهدة المركز».

-استُبعدت أطراف عديدة من المشاركة في إعداد وصياغة مسودة الدستور، فهل سيتمتع هذا الدستور بالشرعية القانونيّة؟
يجب ألا يستبعد أحد من العملية الإصلاح الدستوريّ ومن جميع مكوّنات المجتمع السوريّة، لأن أيّ إقصاء أو تهميش لأيّ طرف ستبقى العملية ناقصة وغير شرعيّة، نحن في تيار الغد والتيارات التي ننسق معها بخصوص ذلك، قمنا بتقديم قائمة للدول الضامنة وللمبعوث الأممي السيد ديمستورا، والتي احتوت على اثنين وخمسين اسماً من جميع أطياف ومكوّنات الشعب السوريّ وتمّ الأخذ بعين الاعتبار التعدديّة و المكوّنات كافة».

-لماذا لم يحضر تياركم المؤتمر الثالث لمجلس سوريا الديمقراطيّة، وما هو تقييمكم للرؤى التي خرج بها المؤتمر؟
تمّت دعوة تيار الغد إلى المؤتمر الثالث، ولكن كانت هناك ظروف خارجة عن إرادتنا حالت دون حضورنا لهذا المؤتمر، ونتمنى أن نحضر مؤتمرات قادمة وسنعمل على حضورها، يوجد ما هو مشجّع من مخرجات المؤتمر كموضوع الابتعاد عن الأيديولوجيات والاستئثار بأيديولوجية حزب معين، والمساواة بين جميع مكوّنات المنطقة في حقوقهم السياسيّة والاقتصاديّة، نتمنّى أن يكون هناك تواصل معهم. فقد كان هناك تواصل بيننا كتيار الغد ومجلس سوريا الديمقراطيّة وحدث بيننا الكثير من الحوارات والنقاشات حول الأمور التي تخصُّ الحل في سوريا، وحصل اتفاق سياسيّ مع الإدارة الذاتيّة قبل سنتين تقريباً، رافقته بعض الصعوبات في التنفيذ ولكن يمكن تجاوزها يجب أن نتجاوزها، وأتمنّى أن نتواصل مجدداً وأن نتحاور مع مجلس سوريا الديمقراطيّة في المستقبل وبأقرب فرصة ممكنة، وأن ننسق معاً من أجل مستقبل أفضل وديمقراطيّ يحفظ حقوق جميع أفراد ومكوّنات الشعب السوريّ.
ونحن في تيار الغد نسعى ونعمل ونتطلع إلى نزع فتيل التوتر بين أطياف ومكونات الشعب السوري، وتحديداً أيّ توتُّر ممكن أن يحدث بين المكون الكرديّ والعربيّ في بعض المناطق، وهذا الأمر يتطلَّب أن يكون هناك توافقٌ وتفاهمٌ كامل، ويجب تجاوز كلّ ما يمكن أن يؤدّي إلى خلق سوء الفهم أو زيادة التوتر أو أيّة منغصات، لأنّ هناك من يعمل على خلق الفتن بين أبناء الوطن الواحد، فالمكونان الكُرديّ والعربيّ عاشا معاً لسنوات طويلة، وهناك الكثير من الأمور التي تربطهم من حيث العيش المشترك والمصاهرة والأخوة التي تجمعهم، ويجب أن تكون حقوق المواطنة السوريّة هي الجامعة والعامل المشترك فيما بينهم، كما نتطلع على أن يكون هناك مستقبل أفضل في مناطق شرق الفرات والشمال السوريّ، وأن نسعى جميعاً إلى نبذ العنف والتطرف والفردية ونعمل على الوصول بسوريا إلى بر الأمان، والحوار من أجل سوريا ديمقراطيّة لا مركزيّة للجميع.