روناهي/ قامشلو: شابٌ يافع يبلغ من العمر الرابعة والعشرين، مجبول من طين وشعاع شمس وغيوم قامشلو، يُعبّر عن مآسيه وملامح الحياة التي يعيشها أبناء مدينته بريشته، ومنها استنشق الفن وأعطى للوحاتِ خيالاً ومساحة لا حدود لها، فكانت ملجأه وساحة فرحه وحزنه إنه الفنان لالش عبد الرحمن.
يُعتبَر الفن وسيلة للحوار الحسي بين المجتمعات المتنامية منذ القديم وحتى يومنا هذا. فمنه نستطيع بث رسائل مفهومة لكل أصناف البشرية، متجاوزة حدود اللغات التي تنطق بها أمم مختلفة الأعراق والجنسيات، يعتبر الفن أفضل وسيلة للحوار الحسّي بين المجتمعات منذ القِدم وحتى يومنا هذا، ويُصنف الفن التشكيلي كأحد أهم فروع الفن في العالم، فالفن التشكيلي قادرٌ على إيصال ما يكتمه الإنسان إلى العامة وبشكلٍ جميلٍ مرهف، فهو يستطيع بث رسائلٍ واضحة ومفهومة لكل أصناف البشر، متجاوزاً حدود اللغات والأعراق والجنسيات المختلفة، فهناك لغة واحدة مفهومة وواضحة تقبلها كل الأطراف، هي محور تعبيرات نستشف من خلالها الرؤية الإنسانية لهذه الجماعة، والنمط الذي تتعايش به.. تسوق لنا مجمل القضايا المنسجمة مع نسيج حضارتها وتطورها وتفاعلها ببوتقة المنظومة الكونية، والتاريخ أكبر شاهد لهذا الكلام. مجمل القضايا تستطيع المجتمعات اختصار مفاهيمها ضمن الإطار الإبداعي، وتُصعّد كثيرًا من القضايا التي تحكم بنيتها الأساسية والعقائدية والاقتصادية وما تسعى إليه من تواصل وارتقاء ضمن الصبغة الإنسانية.
رضع الفن وجماله في كنف عائلة مُحِبة للفن
وهذا ما جسدته ريشة الفنان عبر العصور القديمة والحديثة، فكانت سلاحه وحبيبته وآلامه وآماله وكل ما يملك من أجل الاستمرار بالعيش، ومن هنا استلهم الفنان “لالش عبد الرحمن” ابن مدينة قامشلو الذي ترعرع في أكثر الأحياء اكتظاظاً بالحياة والسكان “الحي الغربي”، ومن أحياء هذه المدينة اقتبس ونهل العلم والمعرفة والفن على أصوله، فهذا الشاب نمّى حِسّه الفنّي بين عائلته المحبة للفن الصغيرة بعددها والكبيرة بحبها للعلم والفنون بأنواعها، وعن الفن والرسم قال عبد الرحمن: “ربما بدأت الرسم قبل أن أتعلم الكلام، فكان لغتي الأولى، اللغة التي لقنتني إياها أمي كونها راغبة بتطوير تلك الملكة وزرع بذور الشغف داخلي”، فالأم كاتبة وشاعرة تمتلك من الحس المرهف ما يطغى على شخصيتها كأمٍ لأبنائها، ولربما هذا التمازج بين الفنون أسبغ صبغة الإبداع على باقي الصبغات لدى الفنان “لالش عبد الرحمن”، وعن هذا الترابط أشار بالقول: “ثمة علاقة وثيقة بين الرسم والشعر مع خصوصية كل منهما وربما وجدت في هذه النقطة مدخلاً للدخول قليلاً إلى عالم اللوحة، لأقرأها بطريقة شعرية فكلاهما يسعى إلى الحلم”. أما عن أهمية الخيال والمساحة الواسعة ليسرح بها الفنان ويرى أن الحلم هو مساحة الفرح التي ينشر من خلالها إنسانيته، الحلم طاقة مفتوحة التي يلتقط من خلالها أحاسيسه ليفجر ما تعفن في الذاكرة، فالفنان هو الوحيد الذي لم يرسم له دورٌ مسبق ليوقف المشهد لكنه المتهم دوماً بتهريب الحلم إلى هذا العالم المسكون بالفجيعة والخراب والألم”.
تميز وإبداع مختلف
وتتميز لوحاته بالألوان الصاخبة التي لا تحتاج إلى توظيف العقل لتفسير محتواها ورسالته المنشودة التي تشير لربما في أغلب الأحيان إلى ما يعاني منه المجتمع الكردي على حدٍ سواء، أما عن رأيه بدور الفن والمعايير التي يجب على الفنان التقييد بها قال عبد الرحمن: “لا أعتقد بأن النقد وهو يتناول الحداثة وما بعدها يصل إلى معايير ثابتة تكون هي الممهدة لهذه الحداثة ولن تتبلور في أطر ومفاهيم واضحة… إذ كل ما يقدمه المبدع اليوم هو نتاج عالم ومفاهيم قلقة ومتداخلة ومتشابكة جداً… في اللوحة… في الشعر… والرواية… وإلخ، فهي تدعو بذلك إلى نسف كل ما يؤطرها وربما هي الرغبة أيضاً في أن نؤلف هواء… يدعى هواء دون قيد أو قانون يعيق”.
الفنان لا يُقيده ظرفٌ أو زمان
أما عن كمالية الفن التشكيلي ودور الفن في شرح آلام الواقع وتأثير الحرب والدمار على نفسية المجتمع أشار إلى أن الفنان لا يحتاج أن يكتب للوحة شعراً كي تكتمل، لأنه الصانع للغته البصرية فكل المدارس النقدية الحديثة ومصطلحاتها ودلالاتها الخاصة لا ترتقي إلى مستوى أن يعمد الفنان إلى صب اللون مباشرة على اللوحة.
أما عن طابع وخصوصية الفنان لالش عبد الرحمن في لوحاته فهو يحاول أن يضع شخوص لوحته في مساحة من الفرح، لأنها تحاول أن تطير أو ترقص وتفرح ولكن دون جدوى، فبالنسبة له الفرح هو ذلك الحلم الذي لا يتجاوز حدود اللوحة، فتكون رائحة التبغ وطعم الخبز ودفئ الشمس ملاذه للرسم فيبدع فيها ومن خلالها يتخلص من بشاعة هذه الحرب وما تتركه فينا، هذا الفنان بريشته وألوانه وصخب شجونه استطاع إفادة مبتغاه من الفن وتميز بأسلوبه الذي لفت الكثير من متذوقي الفن وجعله يتوسط صالات ومعارض فنية كثيرة ومتعددة على مستوى العالم.