سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

محمد العبدالله: العودة للكتابة…انبعاث للروح

حاوره/ ماهر زكريا –

روناهي/الطبقة ـ بعد المحاولات الهمجية لإفناء الأدب والثقافة ومحاولات إخفاء التراث الثقافي من مراكز العلم أشهرَّ المثقفون أقلامهم مجدداً ليفضحوا مجازر الموت والجهل التي عمت المنطقة.
وكتب الأدباء حقبة المرتزقة السوداء التي عادت أقلامهم وحطمتها لتمر عليهم ثقيلة فجثمت على صدورهم مأساة حقيقية حلت بأحوالهم وكادت تدفن معهم لولا أن قرأوا عن أمجاد أجدادهم فعادوا لينتصروا ممن سفكوا دماءهم.
وعبّر تاريخهم عن إدراكهم بأن تعدد الثقافات كانت دليل الأدباء لتجاوز نكباتهم وتحرروا من ظلام الانحياز الذي حلَّ على وجودهم، وكتبتها أقلامهم على أوراق أحلامهم التي تحكي قصص الحرية والشجاعة.
وعاد الأدباء والكتّاب من جديد بالتأثير على المجتمع الثقافي والاندماج معه لفضح حكايات ومعاناة يومية رزحت طويلاً على أنفاسهم وطمست حالات ومشاعر الخوف التي لوعت قلوبهم وعقولهم.
وأبرز الأدباء والكتّاب في رواياتهم فضح ثقافة الإرهاب التي رسمها جاهلون أحرقوا الكتب ليعم الجهل والأمية وحاولوا قتل المعرفة والحضارة الإنسانية في نفوس المفكرين والمجتمع.
ولمعرفة أهمية عودة الكتابة لأقلام الأدباء في المجتمع وكيف أثرت الأزمة السورية على تلك الأقلام ولماذا يخاف الأديب من غياب الأفق الثقافية وماهي أهم أسباب البعد عن الكتابة، للاطلاع على تلك التساؤلات كان لصحيفة روناهي الحوار التالي مع الأديب والقاص محمد العبدالله مجيباً على الأسئلة التالية:
ـ ما هي أهمية عودة الكتابة لأقلام الأدباء في المجتمع؟
تعد عودة الكتابة لأقلام الأدباء عودة الحياة لروح الإنسان وتعبيراً حياً عن أحاسيسه ومشاعره حيث يمارس الأديب دوراً مهماً في المجتمع، باعتباره ينقل الواقع بصورة أدبية ويجسد الوعي والفكر ويجسد دوراً إيجابياً في كتابة تاريخ الحضارة من حيث الشكل  والمضمون الأدبيان، ومن خلال تسطيره للوقائع والأحداث الاجتماعية والفكرية، والأديب يعيش في المجتمع بإحساسه وبقلمه كاتباً ما يداعب فكره وعقله من رؤى جديدة بصياغة جذابة، تشد القراء والمثقفين والمهتمين وترقب ما يكتب، لذلك لا يمتلك الكثير من الأشخاص صفات الكاتب والأديب ودائماً نشاهد أن عودة الأديب للكتابة تعكس موضوعاً جديداً ومهماً في المجتمع، وقد تكون العودة للكتابة نتيجة لمرحلة سيئة مرت به وبمجتمعه كدخول الإرهاب إلى المجتمع بالكامل فيشكل خطراً كبيراً على حياته ومستقبله.
ـ هل أثّرَ المتطرفين على أقلام الكتّاب في المنطقة؟
دائماً أقول أن الأداء يكون في الفن والفن هو الجمال والمنطق، لكن التطرف والحروب تهدف لاغتيال كل ما هو جميل وتدمر الجمال فهذا واقع سيء لا يترك سوى خياراً  واحداً هو الحزن والرعب وأن أجمل الأناشيد التي ينشدها من عاش المآسي هي أناشيد الموت والأسى والخوف ومشاهد الجوع، وطبعاً هناك تأثير مخيف لما عاناه الكاتب في زمن التطرف فقد ينعكس على حالته النفسية والمعنوية فيصاب بخيبة أمل كبيرة ويتخلى كلياً عما يدور في اهتمامه واهتمام الآخرين، ليذهب بعيداً وينزوي في بيته وحول ذاته متخلياً عن نشاطه وكتاباته، لكن حب الحياة لم يقتل الأمل لذلك ترى الكثير من الأدباء يكتبون قصص الفرح والحزن معاً لذلك سعت أقلام الأدباء والكتّاب لفضح مجازر الإرهاب ليعود الكاتب من جديد ويروي مشاهداته ويسجلها بأدق التفاصيل وينقلها للجميع.
ـ كيف ربط الأديب بين الإرهاب والواقع الاجتماعي خلال الفترة الماضية؟
الأديب مثله مثل كل من عانى من الإرهاب؛ لكنه أقرب للرابط الثقافي الذي يأخذ من الجميع ويعطي للجميع، هو تصوير لوحدة الشعور الإنساني من الألم والحب والفرح والحنين إلى الأرض والوطن، فعندما يصاب المجتمع بمرض ينعكس مباشرة على الحياة فيه وقد يقود إلى أمراض اجتماعية وثقافية تضر بالعيش والحياة الطبيعية لذلك يربط الأديب بين واقع المجتمع والإرهاب بنقل الأحداث الواقعية، لكنه يعيش الثقافة الطبيعية التي تجمع بين أفراده.
ـ لماذا صمتت أقلام الأدباء في فترة الحدث المباشر زمن التطرف؟
التطرف لا يعرف صديقاً أو حيادياً لأن هدفه غير إنساني، لذلك غابت خلال الفترة الماضية الحكمة والرشد والوعي وساد عوضاً عنها مظاهر الكره والحقد، وأقول بصراحة لغة الرصاص والقوة الغاشمة ولغة الإقصاء والإلغاء هي من أسكتت أقلام الأدباء في الفترة السابقة، ولذلك آثر الأديب أن يكون منطوياً على ذاته لأن غياب الوعي والقانون وسيادة القتل والدمار يلغي القلم ويغتال صاحب المحبرة.
ـ لماذا يخاف الكاتب في المجتمع من غياب الأفق الثقافي؟
الثقافة دليل المعرفة والوعي وإن غياب الأفق الثقافي هو في حقيقة الأمر نتيجة عدم الاستقرار الاجتماعي المتزامن بصوت الرصاص وعندما يعلو الحطام ينتشر غبار الجهل ويسكت اللسان والقلم وتحرق الكتب والمجلدات ويسود الفقر الثقافي لتعم الأمية وتفقد البوصلة جهتها، لذلك علينا أن نعمل على عودة البوصلة إلى جهتها الصحيحة  بحل الأزمة ونبذ فكر المرتزقة الأسود.
ـ لماذا يعتبر الكاتب الاندماج الأدبي بين المكونات إثراءً لمواضيعه وكتاباته؟
لا يجوز حصر التميز الأدبي في لوحة واحدة أو لون واحد أو توجيهه نحو أسلوب واحد، بل الخيار هو الاطلاع على مفاهيم متعددة فالاختلاف ليس في الشكل والمضمون واللون بل في جوانب الأخلاق والنفس والثقافة وكل شيء، والاختلاف يزداد بين الشعوب كلما اتسعت الخبرات والاهتمامات فالإثراء والإبداع الإنساني هو بروز الأخلاق والقيم الإنسانية وعدم الانتماء لأي فكر يغلب التطرف بل يمكن أن يتناول الكاتب والأديب ظاهرة التطرف من صور الإساءة والقتل والتدمير والبعد عن الحياة الاجتماعية الحقيقية، ونقل حالات وصور العذاب والتهجير والجوع والموت والإصابات والتشويه الذي لحق بالأفراد والأسر المنكوبة.
ـ كيف يرسم  الأديب خطط العودة من أجل كتابة ما جرى وحفظه؟
حافظ الأديب على الأحداث التي مر بها من خلال ذاكرته التي عاشت تلك المشاهد وسجلتها عن طريق شهود عيان ولا زالت آثارها إلى يومنا هذا محتفظة بما حملته من تجاذبات، والأديب يربط الأحداث من خلال قراءة التاريخ وربطه بالواقع، كما تحاور مع الأشخاص وتواصل مع المجتمع، ونهل من الواقع، وكتب تلك الرؤية الجديدة بصيغة تلامس الواقع لا الخيال، والأدب العربي عريق بالكتابات  والقصص لأنها ليست الاندثار وليست الانحلال وليست التشديد وليست الإرهاب.
ـ هل هناك أسباب للجمود الأدبي والبعد عن الكتابة؟
من أسباب الجمود والبعد عن الكتابة هو افتقاد القدرة والمهارة لرؤية ما يريد الأديب نقله للقراء، نتيجة التحولات الكمية والكيفية في الواقع الذي يحاكي شخصية الأديب، أو نتيجة غياب الأفق الحضاري والثقافي للأحداث ومنها سيطرة الإرهاب والتهجير واللجوء والخوف من الثقافات الطارئة على المجتمع البشري، فعندما تتابع الصحافة الأجنبية والأخبار العالمية تجدها ترصد الأزمات نفسها وستجد أنها لا تحرك ساكناً لكنها تبث الشكوى ذاتها التي تصدرها الثقافات الأخرى فيجد الكاتب أنه يدور في حلقه مفرغة لا جدوى من كتابته لتلك الأحداث لأنها لا تعطي الحقيقة وتكون بعيدة عن الواقع.