أكد الصحفي عزيز كويلو أغولو أن انسحاب دولة الاحتلال التركي من قاعدة مورك يعني بداية انسحابها من سوريا، وأضاف: “روسيا تعمل الآن على تصفية وإنهاء وجود الاحتلال التركي في إدلب، وتبحث عن أسس للتواصل مع الكرد”، وأشار إلى أنّ الاتفاق حول إدلب ومناطق خفض التصعيد ولِد ميتاً ويبدو أنها وصلت الآن إلى النهاية.
جاء ذلك خلال حوار أجرته وكالة أنباء هاوار مع الصحفي عزيز كويو أوغلو وكان نص الحوار على الشكل التالي:
ـ وقّعت العديد من الاتفاقات والتفاهمات حول الأزمة في إدلب، لماذا لم تنجح هذه الاتفاقات والتفاهمات في حل أزمة إدلب حتى الآن؟
توصلت كل من دولة الاحتلال التركي وروسيا إلى اتفاقية معينة حول إدلب فيما يسمى باتفاق سوتشي، وبرزت نقاط اتفاق معينة في هذا التفاهم؛ منها إنشاء منطقة “منزوعة السلاح” وفتح طريق ام 4 وام 5، وإنهاء المجموعات المسلحة المُتطرفة، وعند الإعلان عن هذا الاتفاق كان الجميع يعلم أن بنود الاتفاق لن تدخل حيز التنفيذ، وكانت روسيا تسعى في تلك الفترة من وراء هذا الاتفاق إلى كسب المزيد من الوقت، كما أن الدولة التركية المحتلة كانت بحاجة إلى المزيد من الوقت لإجراء تعديلات أو تغييرات معينة في سياساتها الخاصة بسوريا، وعليه فقد وُلد هذا الاتفاق ميتاً، والآن يبدو أننا وصلنا إلى نهاية الاتفاق.
ـ ما يحدث في إدلب هو انتهاك لاتفاقية سوتشي أم ماذا؟
لم تتمكن الدولة التركية المحتلة من تنفيذ بنود الاتفاقية، ما تريده روسيا من الدولة التركية هو التزام الصمت وعدم تنفيذ أي هجوم، وأداء دور معين في مناطق “خفض التصعيد” وإنهاء المجموعات المتطرفة. ولكن؛ الدولة التركية لم تتمكن من تنفيذ هذه البنود، كما أنها لم ترغب أصلاً بتنفيذها، وعلى العكس فما حدث في إدلب هو تصاعد التطرف، حيث عملت دولة الاحتلال التركي خلال هذه الفترة على تدريب العديد من عناصر المجموعات المتطرفة وأدخلتهم إلى المنطقة. فيما يتعلق بإدلب فإن الدولة التركية ليست الوحيدة التي ترغب في بقاء الأوضاع في إدلب على ما هي عليها، بل أن أوروبا أيضاً تُشارك دولة الاحتلال في هذا المسعى، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، فهذه الأطراف جميعها ترغب في إحداث تغيير ميداني في إدلب.
ـ لماذا امتعضت روسيا من المباحثات حول حماية الحدود الشمالية لسوريا؟
روسيا لم تحقق الأهداف المرجوة من الدولة التركية المحتلة من الناحية السياسية، وهذا ما أزعج روسيا بشكل كبير، وبشكل خاص فيما يخص المباحثات الأخيرة، وأقصد بها المباحثات المتعلقة بـ “حماية الحدود”، فالتقارب التركي الأمريكي لم يرق لروسيا وأزعجها أيضاً، وهذا ما ظهر من خلال الهجمات الأخيرة على مدينة خان شيخون وريفها والسيطرة على تلك المناطق.
ـ هل ستواصل كل من روسيا وإيران وحزب الله العملية العسكرية؟
فيما لو استمرت هذه العملية العسكرية فهذا يعني تغييراً جديداً في السياسة السورية، أما إذا تم الاكتفاء بالسيطرة على خان شيخون، والإعلان عن نصر كبير هناك، فهذا يعني أن ه
ناك اتفاقات وتفاهمات جديدة. ولكن؛ ما هو واضح حتى الآن هو فشل التفاهمات، فكان هناك نقطة مراقبة تركية في مورك، وتدور
نقاشات حول انسحاب أو تغيير تلك النقطة، وهذا أيضاً يعتبر تغييراً جديداً.
ـ في الخامس من شهر آب؛ أُعلن عن وقف إطلاق النار في إدلب، إلا أن الهدنة لم تصمد، ما أسباب فشل الهدنة؟
وجود الدولة التركية المحتلة على الأراضي السورية مُت
علق بالموافقة الروسية، الدولة التركية المحتلة تدعم وتساند مجموعات المرتزقة، التفاهمات والاتفاقيات التي حدثت آنية ومؤقتة؛ لأن الهدف الأساسي من السياسة السورية في الوقت الحالي هو سيادة وسيطرة النظام السوري وبشكل خاص في شمال وغرب سوريا، وما يحدث في إدلب الآن يتماشى مع هذه السياسة. روسيا تُقدّم بعض التنازلات لدولة الاحتلال التركي في سوريا التي تعتبر تلك التنازلات بمثابة انتصارات، روسيا تسعى إلى تعميق الخلاف بين الدولة التركية وحلف الشمال الأطلسي (الناتو)، وهي حققت نجاحاً في سياستها، فكما تعلمون استلمت الدولة التركية المحتلة أنظمة صواريخ إس 400 الروسية، وكانت روسيا تتوقع أن يتسبب هذا الأمر بأزمة كبيرة بين الدولة التركية وأمريكا، إلا أن كان هناك تفاهماً، حيث أكد الجانبان أن استلام منظومة الصواريخ الروسية إس 400 لن تتحول إلى أزمة.
ـ ما الذي حققته روسيا من الاتفاقيات السابقة حول مناطق خفض التصعيد؟
أجرت الدولة التركية المحتلة صفقات معينة مع سوريا حول مناطق شمال وشرق سوريا، يقضي بأن تهاجم الدولة التركية مناطق شمال وشرق سوريا مقابل أن يلتزم كل من النظام وروسيا الصمت، إضافة إلى دعم روسيا على الصعيد الخارجي؛ الأمر الذي كان سيؤدي إلى تجدد الأزمة بين تركيا وأمريكا، حيث كان من المقرر أن تنسحب دولة الاحتلال التركي من إدلب، وتعمل روسيا على سحب ونقل المجموعات التابعة لدولة الاحتلال التركي إلى منطقة الباب وجرابلس وإعزاز وعفرين، وتحارب باقي المجموعات المرتزقة. إلا أن المباحثات التي جرت بين دولة الاحتلال التركي وأمريكا بتاريخ 6-7-8 آب من العام الجاري والتفاهمات التي نجمت عنها أفشل التفاهم الروسي التركي، وتوصلت دولة الاحتلال التركي إلى تفاهم معين مع أمريكا فيما يتعلق بمناطق شمال وشرق سوريا. ومع فشل المخطط الروسي بدأت بتنفيذ العملية العسكرية على إدلب، ولا تملك روسيا ما تفاوض عليه مع تركيا سوى إدلب، الدولة التركية المحتلة في الوضع الراهن ستحافظ على وجودها في إدلب بدعم من الولايات المتحدة وأوروبا. روسيا تعتقد أنها يمكن أن تخرج دولة الاحتلال التركي من إدلب بكل سهولة، ولكنها تخدع نفسها في هذا الموضوع. الحقيقة أن دولة الاحتلال التركي دخلت إلى سوريا بموافقة روسيا، إلا أن خروجها من سوريا لن يكون بتلك السهولة وبطلب أو موافقة روسية، وعليه فإن أي هدنة في إدلب لن تكون استراتيجية، بل ستكون بغاية كسب الوقت فقط، والهدف من كسب الوقت هو إجراء تفاهمات معينة مع بعض القوى، وخلال المراحل القادمة قد تكون هناك فترات هدنة تمتد من خمسة أيام إلى شهرين ولكنها لن تكون هدنة استراتيجية كما أسلفنا.
ـ في الـ 19 من آب الجاري؛ قصفت قوات النظام رتلاً عسكرياً لدولة الاحتلال التركي بالقرب من مدينة مورك في حماة، ما الرسالة التي تم إيصالها لدولة الاحتلال التركي؟
هذا الأمر لم يجرِ بدون موافقة روسيا، وهناك احتمالية إن النظام قصف الرتل بطائرات روسية وليست سورية، الرسالة واضحة لدولة الاحتلال التركي وهي “لا تماطلي، تحركي وفق الحدود التي وضعناها لكِ، وإن خرجتي عن ذلك، سنقصفك”. الأمر اللافت أن موقف الدولة التركية كان شديداً أمام ذلك، وهذا ما يعني بأن هناك وضع متأزم ينتظر روسيا ودولة الاحتلال في إدلب. كما نعلم فإن طائرات روسية أسقطت في الأيام الأخيرة، هناك من يقول بأنها طائرة عائدة للنظام السوري. لكن؛ هذا لا يصدق كثيراً؛ لأن المجال الجوي في سوريا بيد روسيا، ستحدث حرب ما بين تركيا والنظام الذي تدعمه روسيا.
ـ في الـ 17 من نيسان 2018 وضعت دولة الاحتلال التركي نقطة مراقبة لها في مدينة مورك، والآن هذه النقطة في حصار، هل هناك احتمالية نشوب معارك ما بين النظام ودولة الاحتلال التركي؟
نقاط المراقبة وُضعت لكي تغلق الطريق أمام المعارك، لكن الآن لم يبقَ لها معنى، تريد روسيا الآن أن تنسحب النقطة تحت مراقبة روسيا وليس بالمعارك. لكن؛ الدولة التركية المحتلة تقول “لن أخرج”، وفي اللقاءات السرية التي جرت بين الطرفين جرت بينهم مشادات، إذا انسحبت دولة الاحتلال التركي من مورك، سيكون بقاؤها في سوريا موضع نقاش، يعني بدء انسحابها من سوريا. وإن لم تخرج سيُطبق سيناريو كما في بعشيقة العراقية، حيث يسيطر عليها جنود أتراك وهي في حصار الحشد الشعبي، والعراق لم تتجرأ على إخراجهم بالقوة، وبهذا الشكل يستمر الاحتلال التركي للعراق، الآن تريد دولة الاحتلال التركي أن تسير بالسياسة نفسها في إدلب أيضاً، حتى لو لم يكن لها معنى ستستمر في تواجدها في إدلب وستحمي نقاط المراقبة العائدة لها، لذلك هناك احتمالية أن تنشب معارك.
ـ كيف ستكون نتائج تقدم النظام السوري في إدلب ومحاصرته لنقاط المراقبة التركية؟
الوضع الذي كان سائداً في إدلب كان في سياق جنيف، لذلك كان يتم تعريفها بالمناطق التي تُسيطر عليها المعارضة، البازار الذي حدث في جنيف كان على إدلب، بقاء هذه الجماعات في إدلب يعني استمرار جنيف، وخروج الجماعات منها من إدلب لا يتطابق مع جنيف، وهذا ما سيحدث تغييراً في السياسة حول سوريا.
ـ كيف يمكن لروسيا البحث عن أسس للتواصل مع الكرد؟
إذا تمت تصفية الدولة التركية المحتلة في إدلب؛ سيتم وضع عفرين وجرابلس والباب وإعزاز في النقاشات، روسيا تُنشئ سياسة جديدة، وعلى الوجه الآخر يحاول الناتو استمرار تواجده في سوريا على محورين وهما: إبقاء تواجده في شمال وشرق سوريا عبر التحالف الدولي ضد داعش، وعبر الدولة التركية المحتلة يريد الناتو حماية وجوده من جرابلس حتى إدلب. شمال سوريا وشرقها كله يقع تحت سيطرة الناتو بشكل من الأشكال، وروسيا تريد إنهاء ذلك، والنقطة الأضعف في هذه المعضلة هي إدلب، روسيا تريد أن تحصل على نتيجة في إدلب، كما أن روسيا تبحث عن أرضية للتواصل مع الكرد.
ـ اجتمع فلاديمر بوتين وإمانويل ماكرون في الـتاسع عشر من الشهر الجاري، حيث قال بوتين بأن دولة الاحتلال التركي تدعم الإرهابيين وتوزع الإرهابيين من إدلب على العالم، كيف تقيّمون هذه التصريحات وكيف ستؤثر على إدلب؟
دولة الاحتلال التركي تدريب الجماعات السلفية وتسليحها في المنطقة، وهذه نتيجة السياسة الروسية وفتحها الطريق أمام دولة الاحتلال التركي. السياسة الروسية قسّمت سوريا بشكل من الأشكال ويجب أن تتغير هذه السياسة، الدولة التركية المحتلة تتدخل في كل من سوريا وليبيا وأفغانستان ومصر، تستخدم الجماعات المرتزقة ضد أوروبا، كلما كان أردوغان يهدد دول أوروبا كانت تحدث تفجيرات هناك. الدولة التركية المحتلة تستخدم هذه الجماعات في تهديد الجميع. عندما التقى بوتين برئيس إيطاليا قال له المرتزقة في إدلب يُوزّعون حول العالم، وبخاصةً ليبيا. هناك الآلاف من المرتزقة من سوريا يحاربون قوات حفتر في ليبيا، العالم يعلم ذلك. لكن؛ في الوضع الحالي يغمضون أعينهم عن الدولة التركية المحتلة، تتم مناقشة هذه الأمور في الاجتماعات السرية، بوتين يفكر كيف سيقف أمام هذا الشيء، ولكنه لا يملك موقف واضح، وهذا جانب من ازدواجية سياسة روسيا.
– بعد هذه التطورات في حماة وإدلب؛ هل يمكن الحديث عن اتفاقية سوتشي مجدداً؟
سوتشي عقد في الثامن عشر من أيلول عام 2018 والآن لم يبق له معنى، إذا تم عقد سوتشي مجدداً هذا يعني وضع جديد في المنطقة، في شهر أيلول سيتم عقد اجتماع ما بين بوتين وروحاني وأردوغان في تركيا، من المحتمل أن يتم تصعيد المعارك ما بين الجهات التي تتعارك في سوريا.