روناهي/ قامشلو: كتّاب من عفرين تلألأوا في معرض الكتاب الرابع الذي أقيم في مدينة قامشلو شاركوا في المعرض على الرغم من الظروف التي مرّت عليهم، ليجتمع مثقفو شمال وشرق سوريا تحت راية الثقافة والأدب.
العلم في الصغر كالنقش على الحجر، مقولة نسمعها كثيراً تفيد بأهمية التعلم في الصغر وكيف ينمي مواهب الطفل ويزيد من رجاحة العقل، ويوسع مدارك الطفل ليكون بذلك ناجحاً في الكبر، ولا تخلو مناطق روج آفا من المبدعين الصغار ذوي الفكرٍ الخلاّق المبدع، ومن هؤلاء ابن مدينة عفرين الذي أنجز كتاباً لنقل ما حدث في عفرين أثناء عدوان الاحتلال التركي على مدينته، فهو وبهذا السن الصغير كان متنبهاً لما يحدث في مدينته من انتهاكات بحق الشعب العفريني وقام بنقل تلك المشاهد التي طٌبعت في ذهنه إلى أوراق كتابه وباللغة الكردية، لمع نجم هذا الطفل في “معرض هركول الثالث للكتاب”، حيث كان يقف أمام كتبه المصفوفة ويراقب ما يجول في المعرض وكله حنكة وفكرٍ رصين يجيب على أسئلة كل متعجب، فلوهلة لا نستطيع تصديق أمر أن طفلاً صغيراً لا يتجاوز عمره الخمسة عشرة عام تمكن من إنهاء كتاب وبهذا الموضوع ذو مرادفات ومصطلحات معقدة، ربما الأزمة كما قيل عنها كانت بمثابة آلة الزمن أخذت معها الأطفال وبدلتهم بالكبار.
الكاتب المبدع الصغير:
وكانت المشاركة من عفرين مدينة الزيتون واسعة على الرغم من كل ما حصل للشعب العفريني من قهرٍ وظلمٍ وتهجير ومشاعر الحزن والشوق للعودة إلى ديارهم، ولكن كان المعرض ملتقى لجميع أبناء شمال وشرق سوريا كلٌّ حضر وجلب ما بجعبته للمكتبة الكردية وأعمال أبناءها وغيرهم من شعوب المنطقة تحت عباءة الثقافة والأدب، وكان لقاءنا الأول مع الطفل المبدع والكاتب الصغير: “خليل موسى”، الذي أجاب عن أسئلتنا بكل وقارٍ قائلاً: (عندما خرجنا من عفرين مديتنا إلى الشهباء شعرت نفسي بعيد عن أمي أنها عفرين أمي الحبيبة شعرت بغربة مولعة، لقد كتبت هذا الكتاب على ثلاثة أقسام وهي الحياة قبل الاحتلال وفي وقت الاحتلال وبعد خروجنا من منازلنا، وعن أشجار عفرين وأماكن تاريخية أثرية وعن تلك القرى الخالية من ساكنيها، وفي ذلك اليوم الذي قيل فيه أنه لن يتم انتهاك حقوق الناس المدنيين وعليهم الابتعاد عن النقاط العسكرية كي لا يتأذوا ولكن كانت مجرد أكاذيب وفي نفس هذا اليوم حصلت مجزرة في عفرين بحق المدنيين راح ضحيتها العديد من الأطفال الأبرياء والنساء).
إلى متى سيتعرض الكُرد للتهجير القسري؟
وبنبرة حزن أكمل لنا الطفل خليل الأحداث التي جرت معهم أثناء خروجهم من قريتهم فقال:(عند خروجنا ووصولنا إلى جبل “ليلون” نظرت إلى عفرين من الجبل رأيت نظرات شرسة وسوداوية على عفرين تريد سلبها منا، لم أعد أشعر ما هو الإحساس الذي راودني، وبعد كل هذا القهر المعاناة من ظروف الحياة القاسية في الخيم التي لا تحمي برد الشتاء ولا حر الصيف)، بهذا الكلام شرح لنا الكاتب خليل ما جرى في عفرين ونهاية ختم حديثه بقول:(هدفي من هذا الكتاب هو معرفة كل أحد يقرأه بكل ما تعرضت له عفرين من جرح وآثام، أخيراً أيها المحتل اللعين ماذا تريد منا أخرج ولا تعد أبداً يكفينا تهجير وغربة ونحن أصحاب الأرض والتراث سنصل بثقافتنا وفكرنا إلى أعالي قمم المجد وستتحرر عفرين بقوة مناضلينا ودم شهدائنا عاجلاً أم آجلاً).
الأقلام الكردية ارتقت متحدية كل الظروف:
وأيضاً وعلى نفس جناح كُتّاب عفرين كان هناك الكاتب “مروان بركات” من قرية شيراوا من عفرين، حدثنا الكاتب مروان عن محتوى روايته التي تتمحور حول مقاتل كردي حمل سلاحه وترك زوجته وتوجه إلى ساحات القتال لمواجهة المرتزقة، وبكل هدوء حدثنا الكاتب بما يلي: (لقد كتبت هذه الرواية بسبب ما حصل في عفرين وكل من يكتب له هدف موحد وهو الارتقاء وإغناء ثقافة الشعب، وفي هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الكرد من إبادة وانتهاكات متكررة، إلا أن الأقلام الكردية أعتلت ودونت ما يتوجب حفظه في التاريخ من روايات الأبطال والمقاتلين الكرد وأحداث جرت خلال هذه الأعوام).
وعن مستوى الثقافة والأدب الكردي أردف لنا الكاتب مروان:(برأيي كل كلمة تكتب باللغة الكردية هي إنجاز كبير لأننا كنا محرومين على مرور السنين من الطمس والظلم، ونريد أن تغتني مكتبنا الكردية لأنها ما زالت متعطشة للمزيد من الأقلام الكردية، وأخيراً فلتزهر كل الورود ولكن في حديقتنا الكردية لأن كلمة كردية واحدة من قلم كردي يعني الكثير والكثير).
رسم الشهيد هركول ضمن فعاليات المعرض:
ومن ضمن الفعاليات الفنية الغنية والتفاعل المباشر مع زوار المعرض، وبحضورٍ لافت للمثقفين والفنانين من عفرين كانت فعالية الرسم في صالة المعرض ملفتة، حيث قام الفنان التشكيلي “أردلان إبراهيم” ابن عفرين برسم لوحة فنية، وكانت صورة الشهيد الكاتب “هركول- حسين شاويش” وبتفاعل من الحضور لمراحل إنجاز اللوحة وخطواتها، أنهى الفنان رسمها وكانت جداً مميزة ونالت أعجاب الحضور، وشكر الحضور الرسام أردلان على عمله الجميل الذي أثنى عليه الجميع وعلى وجه الخصوص تسمية المعرض على اسم الشهيد هركول.
لقد كانت هذه اللقاءات نبذة مصغرة عن المبدعين والكتّاب والمثقفين في منطقتنا التي ازدهرت بالأدب والفن والأقلام الحرة.
