No Result
View All Result
المشاهدات 0
إعداد/ رامان آزاد –
اللغة أحد أهمِّ عوامل تكوين الهوية والخصوصيّة القوميّة، ولذلك اقترن تغييب أيّ مكوّن قوميّ بالتضييق على لغته، ومنع تداولها ليس على المستوى الرسميّ والمؤسسات التعليميّة والإعلاميّة، بل حتى على المستوى المجتمعيّ والحياة اليوميّة. تأخذ المسألة أبعاداً تفصيليّة من التغييب في الدواة القوميّة التي تعتمد لغة وثقافة أحاديّة، وقد مرت مراحل عُوملت فيها الكتبُ والمنشوراتُ الأدبيّة غير المكتوبة باللغة الرسميّة للدولة كما المنشورات السياسيّة الممنوعة وأحيل النظر فيها إلى المؤسسات الأمنيّة للنظر فيها.
كانتِ اللغةُ الكرديّةُ من ضحايا الأنظمةِ الحاكمةِ التي تعتمدُ لغةً واحدةً لمجملِ النشاطِ الاجتماعيّ والتعامل الرسميّ، وفي سوريا مورست في ظل حكومة حزب البعث سياسةِ الصهر والقمع بحقِّ الكرد، كان تعلمُ اللغة الكرديّة أقرب لممارسة النشاط السياسيّ السريّ، ولذلك كان محدوداً جداً ومحصوراً بفئة من المتعلمين والمتحزبين، وأُنكر على اللغة الكرديّة استقلاليتها، وأنّها إما مزيج من لغات متعددة أخرى تحت تأثير الجوار الجغرافيّ أو أنّها تحوّلت عن اللغة العربيّة تحت تأثير عوامل الانقطاع في جغرافيا الجبال، لتكون المحصلة أنّ الكرد مجرد لاجئون.
بالتوازي مع خط الثورة السياسيّ والاجتماعيّ انطلقت عام 2012 ثورةٌ معرفيّة، في ظروفٍ تعطلت فيها مسيرةُ التعليم وأصبحتِ المدارسُ مقراتٍ عسكريّةً وتمّ تدميرها، وبذلك أنيط بجيل الناشئة أن يعيشوا ثورةً رديفةً في مجال إحياء لغتهم الأم. التي يعرّفها القائد عبد الله أوجلان بأنّها “الوجود الهوياتيّ واللفظيّ المدرك والمعبّر عنه بالنسبة للمعنى والعاطفة, والمجتمع الذي يعبر عن ذاته على امتلاكه الحجة القوية للحياة, ذلك أنّ مستوى رقي اللغة هو مستوى تقدّم الحياة, أي بقدر ما يرقى مجتمع ما بلغته الأم”.
في مدينة كوباني افتتح أول مركز لتعليم اللغة الكرديّة بمدينة كوباني باسم الشهيد “أوصمان دادلي” في دار أحد المواطنين في 26/11/ 2011 وانطلق بإمكانات محدودة، وفي مقاطعة عفرين تم افتتاح أول مدرسة لتعليم اللغة الكرديّة في روج آفا بشكل علني, في قرية دراقلية بناحية ميدانكي.
بعد ثورة 19 تموز اتسعت آفاق تعليم اللغة الكرديّة، لتكون نهضة تعليميّة، فتوالى افتتاح المدارس والمعاهد لتدريس اللغة الكرديّة وتخريج كوادر لتعليم المختصين باللغة والأدب والثقافة الكرديّة، وانضم إليها آلاف الطلبة والتلاميذ، ووصولاً لافتتاح كليات الأدب الكرديّ في جامعات عفرين وروج آفا.
في 26/7/2013 فقد الحقل التربويّ والتعليميّ أيقونة غالية باستشهاد المناضلة ومدرسة اللغة الكرديّة في كوباني “فيان أمارة” التي كرّست كلّ إمكاناتها لتعليم وتطوير اللغة الكرديّة قبل انطلاق الثورة بسنين، ثم أنها حملت البندقية للدفاع عن مدينتها ضد هجوم مرتزقة جبهة النصرة على مدينتها، وبذلك أكّدت الشهيدة فيان أن لا انفصال في الثورة ويمكن أن يكون القلم والكتاب أدواتها كما السلاح في مواجهة الإرهاب.
تم اعتماد اللغة الكرديّة عام 2015 لأول مرّة في تاريخ روج آفا وسوريا ضمن المدارس، وبشكلٍ تدريجيّ في المقاطعات الثلاث، ولم تُدخر أيّة جهود لدفعِ مسيرةِ التعليم قدماً وعملت لجنة التدريب بالمجتمع الديمقراطيّ على تطوير اللغة الأم، بافتتاح المزيد من المدارس في الريف وصياغة مناهج اللغة الكرديّة وتدريسها. إلى جانب معاهد التأهيل واللغة الكرديّة والعلوم الاجتماعيّة، وافتتحت ثلاث جامعات في روج آفا، إضافة لعشرات المعاهد والأكاديميات الفكريّة لتطوير الأدب والثقافة الكرديّة، ولتزداد مناهل المعرفة والعلم، ولتؤكّد ثورة روج آفا حضورها في الحقل الثقافيّ كما في سائر جوانب الحياة، كما تمّ افتتاح مراكز الثقافة والفن لإحياء التراث والفلكلور الشعبيّ في كلّ بلدة ومدينة من روج آفا.
أولتِ الثورة اهتماماً خاصاً بالجانب الثقافيّ ولعل افتتاح المراكز الثقافيّة المختلفة كان من أوائل الإنجازات، وشهدت روج آفا نشاطاً ثقافيّاً كثيفاً تجلّى بإقامة المهرجات السنويّة وتعددت أشكالها مثل إقامة معارض للكتب والمهرجانات الأدبيّة في الشعر والقصة والفنيّة الموسيقية والأفلام القصيرة وتنظيم الندوات والمحاضرات.
وكسرت الفكرة السائدة حول الاعتقادات السائرة بأن اللغة الكردية لغة ناقصة ومشتقة لا تصلح لتكون كغيرها من اللغات العالمية، وأنها اللهجة الريفية ومفردات مقتبسة من المناطق المجاورة، لكنها حقيقة لغة مستقلة عن غيرها وغنية بمصطلحاتها ومفرداتها، والآن المناهج المدرسية والمؤسسات والعلوم الإنسانية تدوّن باللغة الكردية التي ستبقى سلاح الكرد بوجه تهميشها وطمسها.
No Result
View All Result