No Result
View All Result
المشاهدات 3
محسن عوض الله/ صدى سيا –
وسط أيّام الظلم، وليالي الظلام التي شهدتها تجربة الإدارة الذاتيّة بشمال سوريّا كان لدي أملٌ في فجرٍ قريب، يضيء تلك الظلمات، كنت على يقينٍ أنّ ما أعتقد حلّاً لأزمات الشرق الأوسط تنبت بذوره في تلك الأرض، وجدت في تلك الأرض، التي لم يطأه قدماي ما كنت أبحث عنه، من قيمٍ للتعايش والمواطنة التي لا تعرف المذهبيّة ولا الطائفيّة، وجدت مشروعاً لسيادة القانون في منطقةٍ القانون فيها قابلٌ للكسر، والعدل مرفوعُ دائماً من الخدمة.
وجدت مظلومين يبحثون عن حقّهم في الحياة، ومشروعاً سياسيّاً يرى البشر أمّة واحدة توحّدهم الإنسانيّة مهما فرّقتهم الأديان والقوميّات، كان طبيعيّاً أن يتعاطف قلمي مع الباحثين عن الحياة، الساعين للحريّة، الواقفين في وجه طوفان الإرهاب والاستبداد. رغم الحروب والمؤامرات، التي تعرّضت لها إدارة شمال وشرق سوريّا، لم أفقد الأمل، ولو لحظةٍ في انتصارها وتمدّدها، وكنت أراها، وما زلت الحلّ الأمثل للأزمة السّوريّة، أحد أعقد الأزمات التي واجهتها العالم خلال القرون الأخيرة، ربّما لغياب الرغبة الدّوليّة في حلّ الأزمة، ووجود قوىً كبرى مستفيدة من بقاء الصراع وربّما اشتعاله واستمراره لأكبر مدة ممكنة.
حزنت جدّاً على بارين كوباني شهيدة عفرين، ورأيت في احتلال المدينة، وما تبعه من عمليّات سرقةٍ ونهب قامت بها ميليشيّات تركيّا الإرهابيّة دليل قوّةٍ. طالت الحرب وامتدّت وانتهت، وتكشّفت بعض أسرارها، وافتضح أمر التواطؤ العالميّ، سواءً من موسكو أو من واشنطن اللتان كانتا على علمٍ بالحرب وربما بتوافق ما، كما أعلن أردوغان، أو غيره من دول العالم. وهو ما يعني أنّ وحدات حماية الشعب الكرديّة كانت تقاتل أقوى دولتين في العالم وليس تركيّا وحدها، وأنّ تلك القوّات قاومت هذا التحالف العالميّ لاحتلال عفرين قرابة شهرين وهو ما يعدّ إنجازاً عسكريّاً تاريخياً يُحْسب لتلك القوّات، إذا ما قارناها بجيوش دولٍ بالمنطقة التي سقطت خلال ساعاتٍ قليلة خلال حروبٍ سابقة. ومن انكسارٍ، لانتصار، انتقلت تجربة الإدارة الذاتيّة، ومشروعها المتمثل بالأمّة الديمقراطيّة، وقوّاتها سوريّا الديمقراطيّة التي نجحت في إسقاط دولة الإرهاب “داعش” بعد سنواتٍ قليلة من سيطرتها على مدنٍ بسوريّا والعراق وتأسيس خلافتها المزعومة.
سقطت داعش بيد قوّات سوريّا الديمقراطيّة، واحتفل العالم أجمع بذلك الانتصار التاريخيّ على الإرهاب، ورغم ذلك استمرّت التهديدات التركيّة باجتياح مناطق الإدارة الذاتيّة، وتواصلت سياسة التتريك المتعمّدة التي تنتهجها أنقرة بمدينة الزيتون عفرين دون أيّ تدخّلٍ من القوى الدّوليّة التي سبق وتواطأت على احتلال المدينة. انتصار قوّات سوريّا الديمقراطيّة لم يتوقف عند حدود إسقاط مرتزقة داعش وإرهابه، بل تبعتها بانتصارٍ سياسيّ ربّما يكون أقوى من العسكريّ، فلا يمكن توصيف الاتفاق الذي وقعته منظمة الأمم المتّحدة مع قوات سوريا الديمقراطية مطلع هذا الشهر، سوى بالانتصار السياسيّ الكبير الذي يمثل اعترافاً من أكبر منظمةٍ أمميّة وإنْ صحّ القول اعترافاً عالميّاً بالقوّات التي تمثل الجناح العسكريّ لمجلس سوريّا الديمقراطيّة، الذي يدير مناطق شمال وشرق سوريّا، ويكفي أن نتابع ردّة الفعل التركيّة حول هذا الاتّفاق لنعرف قيمته وأهميّته الكبرى.
ولا يمثل الحديث عن تمثيل الإدارة الذاتيّة في مفاوضات الحلّ النهائيّ للأزمة السّوريّة، والزيارات الدّوليّة المتتالية والمتكرّرة إلّا جزءً من النجاحات المستمرّة والمتوقّعة والطبيعيّة لمجلس سوريّا الديمقراطيّة والإدارة الذاتيّة، بعد أن اقتنع العالم أجمع أنّ هذه التجربة قادرةٌ على الوقوف في وجه التنظيمات الإرهابيّة التي دعمتها وتدعمها تركيّا منذ بدء الثورة السّوريّة.
ختاماً ستنتصر التجربة الديمقراطيّة بشمال سوريّا، وستحظى الإدارة الذاتيّة باعترافٍ عالميّ رسمي، وستبقى تركيّا لا تمتلك سوى الشجب والإدانة دون أن يكون لذلك أدنى تأثيرٍ على انفتاح العالم على مجلس سوريّا الديمقراطيّة، الذي أصبح مثل الشمس لا ينكر وجودها إلّا أعمى فاقدٌ للبصر والبصيرة. وستبقى تركيا في موضع ردّ الفعل السلبيّ الذي لن يغيّر من الواقع شيئاً، وطال الزمن أو قصر لن يجد الأتراك مفرّاً من التعامل مع مجلس سوريّا الديمقراطيّة، والاعتراف بالإدارة الذاتيّة كأمرٍ واقع فرض نفسه على الوضع السّوريّ سواء بدماء أبنائه أو بنبل منهاجه وخططه المستقبلية، ومشاريعه الديمقراطية.
No Result
View All Result